عندنا الأمر بالوضوء من أكل لحم الجزور لا شك أنه خاص بلحم الجزور، لكنه عام فيما مسته النار وما لم تمسه النار، وآخر الأمرين من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ترك الوضوء مما مسته النار، عمومه في الجزور وغيره، وخصوصه فيما مسته النار، دلالته على لحم الجزور بالمنطوق وإلا بالمفهوم؟ بالمفهوم، ودلالة ((توضئوا من لحم الإبل)) بالمنطوق، عندنا نص متأخر ونص متقدم، وعندنا نص المتقدم بالمنطوق، والمتأخر بالمفهوم فهل ينسخ المنطوق بالمفهوم؟ لأن لدينا في الطرفين جهة قوة وجهة ضعف، جهة القوة في الحديثين حديثي الباب أنه منطوق، وفي الوقت نفسه خاص، وجهة الضعف أنه متقدم، وفي الطرف الثاني جهة القوة أنه متأخر، وجهة الضعف فيه أنه عام ومفهوم أيضاً، إذاً إذا قررنا أنه متأخر لقول الصحابي:"كان آخر الأمرين" فهل نقول: إن المتقدم ينسخ بالمتأخر ولو اختلفا في الرتبة بأن كان أحدهما منطوقاً أو مفهوماً خاصاًَ أو عاماً؟ منهم من يقيد النسخ بالاستواء، فمثلاً المحرم إذا لم يجد النعلين فليلبس الخفين وليقطعهما أسفل من الكعبين، هذا قاله النبي -عليه الصلاة والسلام- بالمدينة قبل الحج، سئل عما يلبس المحرم ... إلى آخر الحديث، وخطب بعرفة وبين أن من لم يجد النعلين فإنه يلبس الخفين، يلبس الخفين من غير تقييد بالقطع، فهل نقول في مثل هذه الصورة: يحمل المطلق على المقيد للاتفاق في الحكم والسبب أو لا يحمل؟ لأنه أحياناً يحتاج المجتهد إلى أن يخرج عن بعض القواعد المقررة حتى في مذهبه لوجود عارض، فإذا قلنا بالنسخ قلنا: نسخ الأمر بالقطع؛ لأن قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((فليلبس الخفين)) من غير تقييد بقطع، قلنا: هو متأخر بعرفة والمتأخر ينسخ المتقدم، وإذا قلنا: بالقطع حملنا المطلق على المقيد، والحكم واحد السبب واحد، فعندنا إما القول بالنسخ والمطلق متأخر بلا شك، أو نقول: بالتقييد وهو المتجه، فيقطع أسفل من الكعبين عملاً بالنص المقيد، لكن من أراد ترجيح القول السابق الأول وعدم القطع، قال: إنه مع تأخره أيضاً الحاجة داعية إلى البيان في مثل هذا الموطن؛ لأنه سمعه في المدينة يمكن ألف أو ألفين أو ثلاثة، لكن سمعه بعرفة كل من حج معه -عليه الصلاة