لما أنهى المؤلف -رحمه الله تعالى- الكلام عن الطهارة الصغرى شرع في بيان الطهارة الكبرى، وبدأ بما يوجب الغسل؛ لأنه في حقيقة الأمر متقدمٌ عليه، قال -رحمه الله تعالى-: "باب ما يوجب الغسل" وهذا يخرج ما يندب من أجل الغسل، ما يوجب الغسل قال -رحمه الله-: "والموجب للغسل خروج المني" خروج المني موجب للغسل، لكن هل هو على كل حال أو لا بد من قيود؟ ولذا المتأخرون من الفقهاء يذكرون قيوداً فيقولون: خروج المني من مخرجه دفقاً بلذة من غير نائم، فخروجه من غير مخرجه كما لو وجد ثقبٌ أو كسرٌ في صلبه فخرج منه يوجب الوضوء أو لا يوجبه؟ لا يوجبه، فلا بد من هذا القيد "من مخرجه دفقاً بلذة" وهما متلازمان، اللذة لا تكون إلا إذا كان دفقاً، ولذا كثيرٌ من الفقهاء لا يذكر الدفق، إنما يقتصر على اللذة، بمعنى أنه لو خرج من غير لذة فأنه لا يوجب الغسل، هذا بالنسبة للمستيقظ، أما بالنسبة للنائم فخروجه من مخرجه موجبٌ للغسل على أي حال، شعر به أو لم يشعر، سواءٌ كان بلذة أو بغير لذة، فالنبي -عليه الصلاة والسلام- علق وجوب الغسل برؤية الماء، ففي حديث أم سلمة أن أم سليم سألت النبي -عليه الصلاة والسلام- عن المرأة تجد في النوم ما يجده الرجل، قال:((نعم)) هل على المرأة من غسلٍ إذا هي احتلمت؟ قال:((نعم، إذا هي رأت الماء)) فعلق ذلك برؤية الماء، فعلى هذا لا بد من هذه القيود التي ذكرها أهل العلم، فقول المؤلف:"خروج المني" يدخل فيها كل هذه الصور، سواءٌ كان من مخرجه، أو كان بغير لذة من مرضٍ وشبهه، وأما النائم فلا يحتاج إلى هذه القيود إذا خرج من مخرجه سواءٌ كان بلذة أو بغير لذة، بل لو وجد بللاً في سراويله مثلاً أو على بدنه بعد استيقاظه وتيقن أنه مني فإنه حينئذٍ يلزمه الغسل؛ لأنه بالنسبة للنائم إنما علق وجوب الغسل على رؤية الماء وقد رآه.