على كل حال المقصود الغاية، وكل ما قرب منها، ينال من الأهمية بقدر قربه من هذه الغايات، وما بعد منها يكون على التراخي، بعد أن تضبط الغاية، وما يعين على فهمها، وما يقرب منها، فإن فضل في الوقت شيء فيطلع على مثل هذه الكتب، والاطلاع على التواريخ لا شك أنه في غاية الأهمية؛ لأن فيها العبرة والعظة، وفيها أيضاً متعة واستجمام للذهن، وعلى طالب العلم أن يعنى بها.
أيضاً كتب الأدب يعني تفيد طالب العلم استجمام، وفيها أيضاً تقوية للعبارة والأسلوب، يستفيد منها طالب العلم، وفيها أيضاً تنفيس، تجد المعلم الذي له عناية بهذه الكتب دروسه ماتعة، إذا نوع في الدرس استمتع بها الطلاب، ونشطوا للتحصيل، بينما لو كان في فنه لا يخرج عنه أبداً هو يكسب الوقت، وينهي الكتاب، لكن تجد الطلاب يعني مشدودين، ما في ما ينفس عنهم، والقلوب إذا كلّت مشكلة، إذا تتابع عليها متين العلم تكل وتمل، فلا بد من هذا التنفيس.
بقي مسألة تتعلق بالتيمم وهي تعارض حديث الخصائص مع بعض رواياته:((جعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً)) مع قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((وجعلت تربتها لنا طهوراً)) وعرضنا المسألة في الدرس الماضي، وقلنا: إنها إن كانت من باب العموم والخصوص فلا تخصيص؛ لأن حكم الخاص موافق لحكم العام، ويكون التنصيص على الخاص إنما هو لمزيد العناية به، فيحرص المتيمم على أن يتيمم بالتراب، إذا ما وجد فغيره يجزئ؛ لأنه صعيد طيب طاهر، وإذا قلنا: إنه من باب الإطلاق والتقييد، وأن التربة من أوصاف الأرض قلنا: يحمل المطلق على المقيد، وحينئذٍ يتجه قول الشافعي والحنابلة.
وواحد من الإخوان أبدى لفتة طيبة جزاه الله خير، وهي مهمة في الموضوع، يقول: لماذا لا يكون من باب تخصيص العام بالمفهوم، التخصيص بالمفهوم معروف عند أهل العلم، حتى أنا في وقتها قلت: إنه مثل تخصيص حديث: ((إن الماء طهور لا ينجسه شيء)) خصص بمفهوم حديث: ((إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل الخبث)) وهذا عند الشافعية والحنابلة ظاهر، خصصوا بالمفهوم، هذا إذا صححنا حديث القلتين، وإذا ضعف وقد ضعف بالاضطراب، وتقدم الكلام فيه، ما يرد مثل هذا.