واختلف في الحد الذي بتبينه يجب الإمساك، فقال الجمهور: ذلك الفجر المعترض في الأفق يمنة ويسرة، وبهذا جاءت الأخبار، ومضت عليه الأمصار.
روى مسلم عن سمرة بن جندب -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((لا يغرنكم من سحوركم أذان بلال، ولا بياض الأفق المستطيل هكذا حتى يستطير هكذا)).
وحكاه حماد بيديه، فقال: يعني معترضاً.
وفي حديث ابن مسعود:((إن الفجر ليس الذي يقول هكذا)) وجمع أصابعه ثم نكسها إلى الأرض ((ولكن الذي يقول هكذا)) ووضع المسبحة على المسبحة ومد يديه.
وقالت طائفة: ذلك بعد طلوع الفجر وتبينه في الطرق والبيوت، روي ذلك عن عمر وحذيفة وابن عباس وطلق ... إلى آخره، يجب بتبيين الفجر في الطرق، وعلى رؤوس الجبال.
وقال مسروق: لم يكن يعدون الفجر فجركم إنما كانوا يعدون الفجر الذي يملأ البيوت.
وروى النسائي عن عاصم عن زر قال: أي ساعة تسحرت مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟ فقال: هو النهار إلا أن الشمس لم تطلع.
الكلام في الأحاديث طويل، وفي رجالها.
وروي عن حفصة أن النبي –عليه الصلاة والسلام- قال:((من لم يجمع الصيام قبل الفجر فلا صيام له)) ففي هذين الحديثين دليل على ما قاله الجمهور في الفجر، ومنع من الصيام دون نية قبل الفجر، خلافاً لقول أبي حنيفة وهي: الثامنة، هذا كلام القرطبي.
وروى البخاري ومسلم عن سهل بن سعد قال: نزلت {وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ} [(١٨٧) سورة البقرة] ولم ينزل "من الفجر" وكان رجال إذا أرادوا الصوم ربط أحدهم في رجليه الخيط الأبيض والخيط الأسود، ولا يزال يأكل ويشرب حتى يتبين له رؤيتهما، فأنزل الله بعد {مِنَ الْفَجْرِ} [(١٨٧) سورة البقرة] فعلموا أنه إنما يعني بذلك بياض النهار.
وسمي الفجر خيطاً؛ لان ما يبدو من البياض يرى ممتداً كالخيط، يعني يدل على ضعفه لا على ظهوره وانتشاره، إذا كان يرى ممتداً كالخيط.