"والصلاة في أول الوقت أفضل" لا شك أن هذا من باب المسارعة والمسابقة، والمبادرة بإبراء الذمة، جاء الأمر بالمسارعة، وجاء الأمر بالمسابقة، وجاء ما يدل على المبادرة ببعض الصلوات وتأخير البعض، ولذا قال:"الصلاة في أول الوقت أفضل إلا عشاء الآخرة" يعني فإنه يستحب تأخيرها، ولما تأخر النبي -عليه الصلاة والسلام- على أصحابه في صلاة العشاء قال:((إنه لوقتها لولا أن أشق عليكم)) وتأخر إلى ثلث الليل، لولا المشقة لكان تأخيرها أفضل، ولا يعني أن هذا التأخير وهذا التفضيل للتأخير يفوت به واجب؛ لأن بعض الناس يقول: ما دام وقتها أفضل التأخير، ولا يشق علي أن أؤخر، لماذا لا أؤخر؟ نقول: بذلك تترك الجماعة، والجماعة حيث ينادى بها في المسجد، لو أن جماعة في مسجد لا يشق عليهم التأخير، واتفقوا على ذلك لا شك أنه أفضل، لكن إذا كان يترتب على ذلك ما هو آكد فلا، يصير الفاضل مفضول، والله المستعان.
"إلا عشاء الآخرة، وفي شدة الحر الظهر"((إذا اشتد الحر فابردوا، فإن شدة الحر من فيح جهنم)) فيستحب تعجيل الظهر كغيرها من الصلوات إلا إذا اشتد الحر فابردوا.
والابراد قد يشكل على كثير من الناس؛ لأنه في الصيف كلما تأخرت يزداد الحر، ولا يحصل البرد الذي يفهم من الابراد بمجرد التأخير، ولو أخرجت الصلاة عن وقتها، يعني الذين يخرجون إلى صلاة العصر مثلاً يكون الحر انتهى؟ ما انتهى ولا المغرب ينتهي في الصيف، فما المقصود بقوله:((إذا اشتد الحر فابردوا))؟ المقصود أخروا الصلاة حتى يكون للحيطان ظل يستظل به، ويتقى به حر الشمس، أو ليكون خروجكم إلى الصلاتين خروجاً واحداً، فيكون أرفق بكم، فتؤخر صلاة الظهر وتقدم العصر، ويرتاح الناس من الخروج مرتين في الحر الشديد، من تأخير للصلاة عن وقتها، وإلا لو قلنا مثلاً: إن معنى التأخير ابردوا إلى أن يحصل البرد؛ لأن أبرد دخل في البرد، كما تقول: أظلم دخل في الظلام، أنجد إذا دخل نجداً وهكذا، هل نقول: ابردوا من أبرد أي دخل في البرد؟ لن يدخل في برد في الصيف، وشيء معتاد أن العصر من آثار امتصاص الأرض، وما على الأرض من إسفلت وشبهه لحرارة الشمس يكون العصر أحر من الظهر، نعم؟