"ولا يتوضأ بسؤر كل بهيمة" يعني المتجه من الحقيقة العرفية بالنسبة للبهيمة أنها ذوات الأربع، لكنها مخصصة بما لا يؤكل لحمها، ويمثل لذلك بالحمار والبغل فإنها لا يتوضأ بسؤرها بناءً على القول بنجاستها عيناً، إذا قلنا: إنها نجسة نجاسة عينية لا يتوضأ من سؤرها؛ لأنه إذا كان بدنها نجس فلعابها نجس، وعرقها نجس، ومن عرف حال النبي -عليه الصلاة والسلام-، وحال الصحابة، وصدر هذه الأمة من امتهانهم لهذه الأمور، وركوبهم على الحمر والبغال، وأنهم لا يتقونها جزم بطهارتها، وأن ما تشرب منه طاهر، وجاء في الحديث: سئل عن الماء وما ينوبه من السباع.
"لا يؤكل لحمها إلا السنور وما دونها في الخلقة" السنور هو الهر، له أسماء كثيرة جداً في بعض كتب الأدب خرج شخص بقط معه قال شخص: كم تبيع السنور؟ وجاء آخر، حده عليه بمبلغ زهيد بدرهم، وقال: سنور بدرهم، ما اشترى، قال: كم تبيع القط؟ قال: بدرهم، قال: قط بدرهم، ما يشتري، كم تبيع ... ؟ المقصود أنه ذكروا له أسماء كثيرة جداً، أرسله وقال: لا بارك الله فيك، ما أكثر أسماءك ولا أقل من ثمنك، فله أسماء كثيرة جداً منها السنور، وفيه حديث كبشة زوجة ابن أبي قتادة الأنصاري، أبو قتادة -رضي الله عنه- أمرها أن تحضر له وضوءاً فجاءت هرة فشربت منه، فأصغى لها الإناء وشربت منه، ثم توضأ به، فنظرت إليه نظر تعجب، فقال: أتعجبين يا ابنة أخي؟ إن النبي -عليه الصلاة والسلام- قال:((إنها ليست بنجس)) فدل على طهارتها، وطهارة لعابها، وما يخالط الماء الذي يبقى من فضلتها ((إنها من الطوافين عليكم والطوافات)) فذكر الحكم مقروناً بعلته، والعلماء حينما يقولون: وما دونها في الخلقة، يعني مما يأخذ حكمها في مشقة الاحتراز منه؛ لأن ما دونها في الخلقة لا يمكن الاحتراز منه، هل يمكن أن تقفل الصالة عن فأر؟ نعم؟ ما يمكن، لكن تستطيع أن تقفله عن كلب، فما دون الهرة في الخلقة لا يمكن الاحتراز منه، وما أكبر منها في الخلقة يمكن الاحتراز منه، والطوافة علة، علة منصوصة يدور معها الحكم، فما أمكن الاحتراز منه لا يتوضأ بسؤره، وما لا يمكن الاحتراز منه مثله لا يتوضأ بسؤره.