أما الحالة التي تقتضي طي ذكر المسند إليه فهي إذا كان السامع مستحضرا له عارفا منك القصد إليه عند ذكر المسند والترك راجع، إما لضيق المقام، وإما للاحتراز عن العبث بناء على الظاهر، وإما لتخييل أن في تركه تعويلا على شهادة العقل وفي ذكره تعويلا على شهادة اللفظ من حيث الظاهر وكم بين الشهادتين، وإما لإيهام أن تركه تطهيرا للسان عنه أو تطهيرا له عن لسانك، وإما للقصد على عدم التصريح ليكون لك سبيل على الإنكار إن مست إليه حاجة، وإما لأن الخبر لا يصلح إلا له حقيقة كقولك خالق لما يشاء فاعل لما يريد أادعاء، وأما لأن الاستعمال وارد على تركه أو ترك نظائره كقولهم نعم الرجل زيد على قول من يرى أصل الكلام نعم الرجل هو زيد، وأما الأغراض سوى ما ذكر مناسبة في باب الاعتبار بحسب المقامات لا يهتدي على أمثالها إلا العقل السليم والطبع المستقيم وقلما ملك الحكم هناك شيء غيرهما فراجعهما في مثل:
قال لي كيف أنت قلت عليل ... سهر دائم وحزن طويل
كيف تجد الحكم إذ لم يقل أنا عليل وفي مثل قوله حين شكا ابن عمه فلطمه فأنشأ يقول:
سريع على ابن العم يلطم وجهه ... وليس على داعي الندى بسريع
حريص على الدنيا مضيع لدينه ... وليس لما في بيته بمضيع
حيث لم يقل هو سريع وفي مثل قوله:
سأشكر عمراً إن تراخت منيتي ... أيادي لم تمنن وإن هي جلت
فتى غير محجوب الغنى عن صديقه ... ولا مظهر الشكوى إذا النعل زلت
إذ لم يقل هو فتى وفي مثل قوله:
أضاءت لهم أحسابهم ووجوههم ... دجى الليل حتى نظم الجزع ثاقبه