فيها طويلة مع فضل إلهي من سلامة فطرة واستقامة طبيعة وشدة ذكاء وصفاء قريحة وعقل وافر ومن أتقن الكلام في اعتبارات الاعتبارات وقف على اعتبارات النفي. واعلم أنك إذا حذفت في هذا الفن لصدق همتك واستفراغ جهدك فيه وبالحري أمكنك التسلق به على العثور على السبب في أنزل ربّ العزة قرآنه المجيد على هذه المناهج إن شاء الله تعالى.
[الفن الثاني]
لما تقرر أن مدار حسن الكلام وقبحه على انطباق تركيبه على مقتضى الحال وعلى لا انطباقه وجب عليك أيها الحريص على ازدياد فضلك المنتصب لاقتداح زناد عقلك المتفحص عن تفاصيل المزايا التي بها يقع التفاضل وينعقد بين البلغاء في شأنها التسابق والتناضل أن ترجع على فكرك الصائب وذهنك الثاقب وخاطرك اليقظان ولانتباهك العجيب الشان ناظرا بنور عقلك وعين بصيرتك في التصفح لمقتضيات الأحوال في إيراد المسند إليه على كيفيات مختلفة وصور متنافية حتى يتأتى بروزه عندك لكل منزلة في معرضها فهو الرهان الذي يجرب به الجياد والنضال الذي يعرف به الأيدي الشداد فتعرف أيما حال يقتضي طي ذكره وأيما حال يقتضي خلاف ذلك وأيما حال يقتضي تعرفه مضمرا أو علما أو موصولا أو اسم إشارة أو معرفا باللام أو بالإضافة وأيما حال يقتضي تعقيبه بشيء من التوابع الخمسة والفصل وأيما حال يقتضي تنكره وأيما حال يقتضي تقديمه على المسند وأيما حال يقتضي تأخيره عنه وأيما حال يقتضي تخصيصه أو إطلاقه حال التنكير وأيما حال يقتضي قصره على الخبر.