واشتعل الرأس على وهن العظم مني لمزية مزيد التقرير وهي إيهام حوالة تأدية مفهومه على العقل دون اللفظ.
واعلم أن الذي فتق أكمام هذه الجهات عن أزاهير القبول في القلوب هو أن مقدمة هاتين الجملتين وهي رب اختصرت ذلك الاختصار بأن حذفت كلمة النداء وهي يا وحذفت كلمة المضاف إليه وهي ياء المتكلم واقتصر من مجموع الكلمات على كلمة واحدة فحسب وهي المنادى والمقدمة للكلام كما لا يخفى على من له قدم صدق في نهج البلاغة نازلة منزلة الأساس للبناء فكما أن البناء الحاذق لا يرمى الأساس إلا بقدر ما يقدر من البناء عليه كذلك البليغ يصنع بمبدأ كلامه فمتى رأيته اختصر المبدأ فقد آذنك باختصار ما يورد، ثم إن الاختصار لكونه من الأمور النسبية يرجع في بيان دعواه على ما سبق تارة وعلى كون المقام خليقا بأبسط مما ذكر أخرى، والذي نحن بصدده من القبيل الثاني إذ هو كلام في معنى انقراض الشباب وإلمام المشيب، وهل معنى أحق أن يمتري القائل فيه أفاويق المجهود ويستغرق في الإنباء عنه كل حد معهود من انقراض أيام ما أصدق من يقول فيها:
وقد تعوضت عن كل بمشبهه ... فما وجدت لأيام الصبا عوضا
ومن إلمام المشيب المعيب المر الطلوع الأمر المغيب:
تعيب الغانيات علي شيبي ... ومن لي أن أمتع بالمعيب
اللهم زدنا اطلاعا على لطائف قرآنك الكريم، وغوصا على لآلئ فرقانك العظيم، ووفقنا لابتغاء مرضاتك في طلوع المشيب المر، واختم بالخبر في مغيبة الأمر فإنه لا يكون إلا ما تشاء بيدك الأمر كله. وليكن هذا آخر الكلام في الفن الرابع، ولنعد على ال