للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لعموم قوله " لا تظلم نفس شيئاً " وأن الخطاب الوارد بعده على سبيل الالتفات في قوله " ولا تجزون إلا ما كنتم تعملون " خطاب عام لأهل المحشر، وأن قوله " إن أصحاب الجنة اليوم في شغل قائل فاكهون " هل أنبئكم على من تنزل الشياطين تنزل على كل أفاك أثيم "

فصل تنزل على كل أفاك ليقع جوابا للسؤال الذي يقطر من قول هل أنبئكم على من تنزل الشياطين وهو إي والله نبئنا على أي مخلوق تنزل، ومن الآيات الواردة على الاستئناف قوله تعالى " قال فرعون وما رب العالمين قال رب السموات والأرض وما بينهما إن كنتم موقنين قال لمن حوله ألا تستمعون قال ربكم ورب آبائكم الأولين قال إن رسولكم الذي أرسل إليكم لمجنون قال رب المشرق والمغرب وما بينهما إن كنتم تعقلون قال لئن اتخذت إلها غيري لأجعلنك من المسجونين قال أولو جئتك بشيء مبين قال فأت به إن كنت من الصادقين " فإن الفصل في جميع ذلك بناء على أن السؤال الذي يستصحبه تصور مقام المقاولة من نحو: فماذا قال موسى فماذا قال فرعون، وكذلك قوله " قالوا وجدنا آباءنا لها عابدين قال لقد كنتم أنتم وآباؤكم في ضلال مبين قالوا أجئنا بالحق أم أنت من اللاعبين " الفصل بناء على ماذا قال وماذا قالوا، وكذلك قوله " هل أتاك حديث ضيف إبراهيم المكرمين إذ دخلوا عليه فقالوا سلاما قال سلام قوم منكرون فراغ على أهله فجاء بعجل سمين فقربه إليهم قال إليهم قال ألا تأكلون فأوجس منهم خيفة قالوا لا تخف " قدر مع قوله فقالوا سلاما ماذا قال إبراهيم وقت السلام ومع قوله فقربه إليهم ماذا قال وقت التقريب ومع قوله فأوجس منهم خيفة ماذا قالوا حين رأوا منه ذلك وسلوك هذا الأسلوب في القرآن كثير، ومن أمثلة البدل قوله:

أقول له ارحل لا تقيمن عندنا ... وإلا فكن في السر والجهر مسلما

[فصل]

لا تقيمن عن ارحل لقصد البدل لأن المقصود من كلامه هذا كمال إظهار الكراهة لإقامته بسبب خلاف سره العلن، وقوله لا تقيمن عندنا أوفى بتأدية هذا المقصود من قوله ارحل لدلالة ذاك عليه بالتضمن مع التجرد عن التأكيد ودلالة هذا عليه بالمطابقة مع التأكيد، وكذلك قوله تعالى " بل قالوا مثل ما قال الأولون قالوا أئذا متنا وكنا ترابا وعظاما أئنا لمبعوثون " فصل قالوا أئذا متنا عن قالوا مثل ما قال الأولون لقصد البدل، ولك أن تحمله على الاستئناف لما في قوله مثل ما قال الأولون من الإجمال المحرك للسامع أن يسأل ماذا قالوه، وكذلك قوله " أمدكم بما تعملون أمدكم بأنعام وبنين وجنات وعيون " الفصل فيه للبدل ويحتمل الاستئناف، وكذلك قوله " اتبعوا المرسلين اتبعوا من لا يسئلكم أجرا وهم مهتدون " لم يعطف اتبعوا من لا يسئلكم للبدل، ومن أمثلة الإيضاح والتبيين قوله تعالى " ومن الناس من يقول آمنا بالله وباليوم الآخر وما هم بمؤمنين يخادعون " لم يعطف يخادعون على ما قبله، لكونه موضحا له ومبينا من حيث أنهم حين كانوا يوهمون بألسنتهم أنهم آمنوا وما كانوا مؤمنين بقلوبهم قد كانوا في حكم المخادعين. وقوله تعالى " فوسوس إليه الشيطان قال يا آدم هل أدلك على شجرة الخلد وملك لا يبلى " لم يعطف قال على فاكهون نقص ١٢٥

على قوله أيها المجرمون " متقيد بهذا الخطاب لكونه تفصيلا لما أجمله " ولا تجزون إلا ما كنتم تعملون " وأن التقدير إن أصحاب الجنة منكم يا أهل المحشر ثم جاء في التفسير أن قوله هذا إن أصحاب الجنة اليوم في شغل فاكهون يقال لهم حين يسار بهم على الجنة بتنزيل ما هو للكون منزلة الكائن، فانظر بعد تحرير معنى الآية وهو أن أصحاب الجنة منكم يا أهل المحشر تئول حالهم على أسعد حال كيف اشتمل المقام فليمتازوا عنكم على الجنة وأما كونه مشركا بين المعطوف والمعطوف عليه في الذي نحن بصدده في جهات تجمعهما فغير خاف ونحو قوله تعالى " فلما جاءها نودي أن بورك من في النار ومن حولها وسبحان الله رب العالمين يا موسى أنه أنا الله العزيز الحكيم وألق عصاك " فإن الكلام مشتمل على تضمين الطلب معنى الخبر، وذلك أن قوله: وألق عصاك معطوف على قوله أن بورك. المعنى فلما جاءها قيل بورك وقيل ألق عصاك لما عرفت في علم النحو أنّ أن هذه لا تأتي إلا بعد فعل في معنى القول وإذا قيل كتبت إليه أن ارجع وناداني أن قم كان بمنزلة قلت له ارجع وقال لي قم، وأما قوله تعالى " وبشر الذين آمنوا وعملوا الصالحات " بعد قوله " أعدت للكافرين " فيعد معطوفا على فاتقوا النار التي وقودها الناس والحجارة، وعندي أنه

<<  <   >  >>