إذا قيل لهم لا تفسدوا فإنهم مفسدون في جميع الأحيان سواء قيل لهم لا تفسدوا أو لم يقل، وكذلك قوله " وإذا قيل لهم آمنوا كما أمن الناس قالوا أنؤمن كما آمن السفهاء ألا إنهم هم السفهاء " قطع ألا إنهم لمثل ما تقدم في الآية السابقة، ولك أن تحمل ترك العطف في الله يستهزئ بهم على الاستئناف من حيث أن حكاية المنافقين في الذي قبله لما كانت تحرك السامعين أن يسألوا ما مصير أمرهم وعقبى حالهم وكيف معاملة الله إياهم لم يكن من البلاغة أن يعرى الكلام عن الجواب فلزم المصير على الاستئناف وأن نقول في ألا إنهم هم المفسدون ترك العطف فيه للاستئناف أيضا ليطابق مقتضى الحال وذلك أن ادعاءهم الصلاح لأنفسهم على ما ادعوه مع توغلهم في الإفساد مما يشوق السامع أن يعرف ما حكم الله عليهم فكان وروده بدون الواو هو المطابق كما ترى وكذا في ألا إنهم هم السفهاء ومن أمثلة الاستئناف قوله:
زعم العواذل أنني في غمرة ... صدقوا ولكن غمرتي لا تنجلي
لم يعطف صدقوا على زعم العواذل للاستئناف وقد أصاب المحز وذلك أنه حين أبدى الشكاية عن جماعات العذال بقوله زعم العواذل أنني في غمرة فكان مما يحرك السامع عادة ليسأل هل صدقوا في ذلك أم كذبوا صار هذا السؤال مقتضى الحال فبنى عليه تاركا للعطف على ما قبله إيراد الجواب عقيب السؤال، وكذلك قوله:
زعم العواذل أن ناقة جندب ... بجنوب خبت عريت وأجمت
كذب العواذل لو رأين مناخنا ... بالقادسية قلن لج وذلت
فصل كذب العواذل فلم بعطفه ليقع جوابا لسؤال اقتضاه الحال