أنه حين بولغ في وصف الكتاب ببلوغه الدرجة القصيا من الكمال والوفور في شأنه تلك المبالغة حيث جعل المبتدأ لفظة ذلك وأدخل على الخبر حرف التعريف بشهادة الأصول كما سبقت كان عند السامع قبل أن يتأمل مظنة في سلك ما قد يرمى به على سبيل الجزاف من غير تحقق وإيقان فأتبعه لا ريب فيه نفيا لذلك، وقد أصيب به المحز اتباع نفسه الخليفة إزالة لما عسى يتوهم السامع أنك في قولك جاءني الخليفة متجوز أوساه وتقرير كونه حالاً مؤكدة ظاهر، وكذلك فصل هدى للمتقين لمعنى التقرير فيه للذي قبله، لأن قوله " ذلك الكتاب فيه " مسوق لوصف التنزيل بكمال كونه هاديا وقوله " هدى للمتقين " تقديره كما لا يخفى هو هدى وأن معناه نفسه هداية محضة بالغة درجة لا يكتنه كنهها، وأنه في التأكيد والتقرير لمعنى أنه كامل في الهداية كما ترى.
وأما بيان أن ما قبله مسوق لما ذكر فما ترى من النظم الشاهد له حرازه قصب السبق في شأنه وهو ذلك الكتاب، ثم من تعقيبه بما ينادي على صدق الشاهد ذلك النداء البليغ وهو لا ريب فيه وأنك لتعلم أن شأن الكتب السماوية الهداية لا غير وبحسبها يتفاوت شأنهن في درجات الكمال وكذلك قوله " إن الذين كفرا سواء عليهم ءأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة " فصل قوله لا يؤمنون لما كان مقررا لما أفاد قوله " سواء عليهم ءأنذرتهم أم لم تنذرهم " من ترك إجابتهم على الإيمان، وكذلك فصل قوله " ختم الله على قلوبهم " لما كان بمثابة لا يؤمنون من جهة أخرى وهي أن عدم التفاوت بين الإنذار لما لم يصح إلا في حق من ليس له قلب يخلص إليه حق وسمع يدرك به حجة وبصر يثبت به عبرة وقع قوله " ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة " مقررا كما ترى وكذلك