فالإيجاز هو أداء المقصود من الكلام بأقل من عبارات متعارف الأوساط والإطناب هو أداؤه بأكثر من عباراتهم سواء كانت القلة أو الكثرة راجعة على الجمل أو على غير الجمل هذا، وقد تليت عليك فيما سبق طرق الاختصار والتطويل فلئن فهمتها لتعرفن الوجازة متفاوتة بين وجيز وأوجز بمراتب لا تكاد تنحصر والإطناب كذلك، وعرفت من ذلك معنى قول القائل في وصف البلغاء:
وذكرت أيضا للاختصار والتطويل مقامات قد أرشدت بها على مناسباتها فما صادف من ذلك موقعه جد وإلا ذم وسمي الإيجاز إذ ذاك عيا وتقصيرا والإطناب إكثارا وتطويلا، والعلم في الإيجاز قوله علت كلمته " في القصاص حياة " وإصابته المحز بفضله على ما كان عند أوجز كلام في هذا المعنى وذلك قولهم القتل أنفى للقتل، ومن الإيجاز قوله تعالى " هدى للمتقين " ذهابا على أن المعنى هدى للضالين الصائرين على التقوى بعد الضلال لما أن الهدى أي الهداية إنما تكون للضال لا للمهتدي ووجه حسنه قصد المجاز المستفيض نوعه وهو وصف الشيء بما يئول إليه والتوصل به على تصدير أولى الزهراوين بذكر أولياء الله وقولهم فغشيهم من اليم ما غشيهم أظهر من أن يخفى حاله في الوجازة نظرا على ما ناب عنه وكذا قوله " ولا ينبئك مثل خبير "