وثالثها استعمال إنما كما تقول في قصر الموصوف على الصفة قصر إفراد إنما زيد جاء إنما زيد يجيء لمن يردده بين المجيء والذهاب من غير ترجيح لأحدهما، أو قصر قلب لما يقول زيد ذاهب لا جاء، وفي تخصيص الصفة بالموصوف إفرادا إنما يجيء زيد لمن يردد المجيء بين زيد وعمرو أو يراه منهما وقلباً لمن يقول لا يجيء زيد ويضيف إليه الذهاب. والسبب في إفادة إنما معنى القصر هو تضمينه معنى ما وإلا ولذلك تسمع المفسرين لقوله تعالى " إنما حرم عليكم الميتة والدم " بالنصب يقولون معناه ما حرم عليكم إلا الميتة والدم وهو المطابق لقراءة الرفع المقتضية لانحصار التحريم على الميتة والدم بسبب أن ما في قراءة الرفع يكون موصولا صلته حرم عليكم واقعاً اسما لإن ويكون المعنى أن المحرم عليكم الميتة وقد سبق أن قولنا المنطلق زيد وزيد المنطلق كلاهما يقتضي انحصار الانطلاق على زيد وترى أئمة النحو يقولون إنما تأتي إثباتا لما يذكر بعدها ونفيا لما سواه ويذكرون لذلك وجها لطيفا يسند على علي بن عيسى الربعي وأنه كان من أكابر أئمة النحو ببغداد وهو أن كلمة أن لما كانت لتأكيد إثبات المسند للمسند إليه ثم اتصلت بها ما المؤكد لا النافية على ما يظنه من لا وقوف له بعلم النحو ضاعف تأكيدها فناسب أن يضمن معنى القصر لأن قصر الصفة على الموصوف وبالعكس ليس إلا تأكيدا للحكم على تأكيد الأتراك متى قلت لمخاطب يردد المجيء الواقع بين زيد وعمرو زيد جاء لا عمرو إثباتا ثانيا للمجيء لزيد صريحا وقولك لا عمرو كيف يكون قولك زيد جاء إثباتا ثانيا للمجيء لزيد ضمنا ومما ينبه على أنه متضمن معنى ما وإلا صحة انفصال الضمير معه كقولك: إنما يضرب أنا مثله في ما يضرب إلا أنا، قال الفرزدق: