فإن تشبيه الحسود المتروك مقاولته بالنار التي لا تمد بالحطب فيسرع فيها الفناء ليس إلا في أمر متوهم له وهو ما تتوهم إذا لم تأخذ معه في المقاولة مع علمك بتطلبه إياها عسى أن يتوصل بها على نفثة مصدور من قيامه إذ ذاك مقام أن تمنعه ما يمد حياته ليسرع فيه الهلاك وأنه كما ترى منتزع من عدة أمور، وكالذي في قوله:
وإن من أدبته في الصبا ... كالعود يسقي الماء في غرسه
حتى تراه مورقا ناضرا ... بعد الذي أبصرت من يبسه
فإن تشبيه المؤدب في صباه بالعود المسقي أو أن الغرس المونق بأوراقه ونضرته ليس إلا فيما يلازم كونه مهذب الأخلاق مرضي السيرة حميد الفعال لتأدية المطلوب بسبب التأديب المصادف وقته من تمام الميل إليه وكمال استحسان حاله وأنه كما ترى أمر تصوري لا صفة حقيقية وهو مع ذلك منتزع من عدة أمور كالذي من قوله عز من قائل " مثلهم كمثل الذي استوقد نارا فلما أضاءت ما حوله ذهب الله بنورهم وتركهم في ظلمات لا يبصرون " فإن وجه تشبيه المنافقين بالذين شبهوا بهم في الآية هو رفع الطمع على تسني مطلوب بسبب مباشرة أسبابه القريبة مع تعقب الحرمان والخيبة لانقلاب الأسباب وأنه أمر توهمي كما ترى منتزع من أمور جمة وكالذي في قوله تعالى أيضا " أو كصيب من السماء فيه ظلمات ورعد وبرق يجعلون أصابعهم في آذانهم من الصواعق حذر الموت " وأصل النظم أو كمثل ذوي صيب فحذف ذوي لدلالة يجعلون أصابعهم في آذانهم عليه وحذف مثل لما دل عليه عطفه على قوله كمثل الذي استوقد نارا إذ لا يخفى أن التشبيه ليس بين مثل المستوقدين وهو صفتهم العجيبة