وثانيهما أنه ليس بلغوي بل عقلي نظراً على الدعوى فإن كونه لغويا يستدعي كون الكلمة مستعملة في غير ما هي موضوعة له ويمتنع مع ادعاء الأسدية للرجل وأنه داخل في جنس الأسود فرد من أفراد حقيقة الأسد، وكذا مع ادعاء كون الصبيح الكامل الصباحة أنه شمس وأنه قمر وليس ألبتة شيئاً غيرهما أن يكون إطلاق اسم الأسد على ذلك عن اعتراف بأنه رجل أو إطلاق اسم الشمس أو القمر على هذا عن اعتراف بأنه آدمي لقدح ذلك في الدعوى وقل لي مع اعتراف بأنه آدمي غير شمس وغير قمر في الحقيقة أنى يكون موضع تعجب قوله:
قامت تظللني من الشمس ... نفس أعز عليّ من نفسي
قامت تظللني ومن عجب ... شمس تظللني من الشمس
أو موضع نهي عن التعجب قوله:
لا تعجبوا من بلي غلالته ... قد زر أزراره على القمر
وقوله:
ترى الثياب من الكتان يلمحها ... نور من البدر أحيانا فيبليها
فكيف تنكر أن تبلى معاجرها ... والبدر في كل وقت طالع فيها
ومع الإصرار على دعوى أنه أسد وأنه شمس وأنه قمر يمتنع أن يقال لم تستعمل كلمة فيما هي موضوعة له، ومدار ترديد الإمام عبد القاهر قدس الله روحه لهذا النوع بين اللغوي تارة وبين العقلي أخرى على هذين الوجهين جزاء الله أفضل الجزاء فهو الذي لا يزال ينور القلوب في مستودعات لطائف نظره لا يألو تعليماً وإرشاداً لكنك إذا وقفت على وجه التوفيق بين إصرار المستعير على ادعائه الأسدية للرجل، وبين نصبه في ضمن الكلام قرينة دالة على أنه ليس الهيكل المخصوص مصدقة عنده كشف لك الغطاء.