مقلوب الكين قلب الكل لإخفاء الناس إياه واحترازهم أن يصرحوا بلفظه فضلا أن يرتكبوا معناه جهارا، ثم إن الكناية تتفاوت على تعريض وتلويح ورمز وإيماء وإشارة ومساق الحديث يحسر لك اللثام عن ذلك، والفرق بين المجاز والكناية يظهر من وجهين أحدهما أن الكناية لا تنافي إرادة الحقيقة بلفظها فلا يتمنع في قولك فلان طويل النجاد أن تريد طول نجاده من غير ارتكاب تأويل مع إرادة طول قامته وفي قولك فلانة نئومة الضحى أن تريد أنها تنام ضحى لا عن تأويل يرتكب في ذلك مع إرادة كونها مخدومة مرفهة والمجاز ينافي ذلك فلا يصح في نحو رعينا الغيث أن تريد معنى الغيث وفي نحو قولك في الحمام أسد أن تريد معنى الأسد من غير تأويل وأنى والمجاز ملزوم قرينة معاندة لإرادة الحقيقة كما عرفت وملزوم معاند الشيء معاند لذلك الشيء. والثاني أن مبنى الكناية على الانتقال من اللازم على الملزوم ومبنى المجاز على الانتقال من الملزوم على اللازم كما سنعود على هذا المعنى عند ترجيح الكناية على التصريح. وإذ قد سمعت أن الكناية ينتقل فيها من اللازم على الملزوم فاسمع أن المطلوب بالكناية لا يخرج عن أقسام ثلاثة: أحدها طلب نفس الموصوف. وثانيها طلب نفس الصفة. وثالثها تخصيص الصفة بالموصوف والمراد بالوصف هاهنا كالجود في الجواد والكرم في الكريم والشجاعة في الشجاع وما جرى مجراها.