تارة يكون واضحا كما في المثالين المذكورين وتارة خفيا كما في قولهم عريض القفا كناية عن الأبله وفي قولهم عريض الوسادة كناية عن هذه الكناية، وأما البعيدة فهي أن تنتقل على مطلوبك من لازم بعيد بوساطة لوازم متسلسلة مثل أن تقول كثير الرماد فتنتقل من كثرة الرماد على كثرة الجمر ومن كثرة الجمر على كثرة إحراق الحطب تحت القدور ومن كثرة إحراق الحطب على كثرة الطبائخ ومن كثرة الطبائخ على كثرة الأكلة ومن كثرة الأكلة على كثرة الضيفان ثم من كثرة الضيفان على أنه مضياف فانظر بين الكناية، وبين المطلوب بها كم ترى من لوازم أو مثل أن تقول جبان الكلب أو مهزول الفصيل متوصلا بذلك على كونه مضيافا كما قال:
وما يك في من عيب فإني ... جبان الكلب مهزول الفصيل
فإن جبن الكلب عن الهرير في وجه من يدنو من دار من هو بمرصد لأن يغشى دونها مع كون الهرير له والنباح في وجه من لا يعرف أمراً طبيعيا له مركوزا في جبلته مشعر باستمرار تأديب له لامتناع تغير الطبيعة وتفاوت الجبلة بموجب لا يقوى واستمرار تأديبه أن لا ينبح مشعر باستمرار موجب نباحه وهو اتصال مشاهدته وجوها إثر وجوه واتصال مشاهدته لتلك مشعر بكون ساحته مقصد أدان وأقاص وكونه كذلك مشعر بكمال شهرة صاحب الساحة بحسن قرى الأضياف فانظر لزوم جبن الكلب للمضيافية كيف تجده بوساطة عدة لوازم، وكذلك هزال الفصيل يلزم فقد الأم وفقدها مع كمال عناية العرب بالنوق لا سيما بالمثليات منها لقوام أكثر مجاري أمورهم بالإبل يلزم كمال قوة الداعي على نحرها وإذ لا داعي على نحر المثليات أقوى من صرفها على الطبائخ ومن صرف الطبائخ على قرى الأضياف