اعلم أن التقسيم قد يكون دليلًا مستقلًا في التصورات، وجزءَ دليل في التصديقات.
أما كونه دليلًا مستقلًا في التصورات فقد أشرنا إليه في المقدمة المنطقية (١) في الكلام على المُعرِّفات، وبينّا أن (القسمة) من المُعرِّفات التي تتميز بها الحقيقة المعرِّفة عن غيرها، ومرادنا بالقسمة التقسيم المذكور، ومثّلنا لذلك بتعريف (العلْم) بالتقسيم بأن نقول: الاعتقاد إما جازم أو غير جازم، والجازم إما مطابق أو غير مطابق، والمطابق إما ثابت لا يقبل التشكيك بحال وإما لا، فظهر من التقسيم: اعتقاد جازم مطابق ثابت لا يقبل التشكيك بحال، وهو (العلم)، كما قدمنا إيضاحه وما يحترز عنه بكل لفظ من ألفاظ التقسيم المذكورة، فهذا التقسيم صار دليلًا مستقلًا لتصور (العلم)؛ لأنه يحصل به تصور (العلم) بأنه اعتقاد جازم مطابق ثابت لا يقبل التشكيل بحال، كالعلم بأن الواحد نصف الاثنين، وأن الكل أكبر من الجزء.
وأما كون التقسيم جزءَ دليل في التصديقات فلأن الدليل المعروفَ عند أهل الأصول بالسبر والتقسيم، وعند الجدليين بالتقسيم والترديد، متركب من أصلين: أحدهما التقسيم، وهو حصر جميع أقسام المقسَّم، والثاني هو سبر تلك الأقسام كلها، أي اختبارها وتمييز ما يصلح منها وما لا يصلح، وبه تعلم أن التقسيم صار أحدَ ركني هذا الدليل التصديقي، وقسمه الثاني هو سبر الأقسام -أي اختبارها-، فإذا