صح التقسيم واستوفى شروطه المذكورةَ وصح سبرها وهو اختبار صحيحها من فاسدها، وصالحِها من غيره، كان الأمران المذكوران دليلًا تصديقيًّا، والتقسيم جزء منه.
وهذا الدليل الذي هو السبر والتقسيم يستعمله المنطقيون في مقاصد آخر، وهو ما قدمنا أنهم يسمونه الشرطي المنفصل (١).
واعلم أنا قد بسطنا الكلام في هذا الدليل في كتابنا "أَضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن" في سورة مريم، في الكلام على قوله -تعالى-: {أَطَّلَعَ الْغَيبَ أَمِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا}، وبينّا المراد به عند الأصوليين والجدليين والمنطقيين، وأوضحنا الفرق بين ما تريد به كل طائفة منهم وبين ما تريد به الأخرى، وذكرنا له أربعة أمثلة قرآنية، وبينّا بعض آثاره التاريخية العقائدية والأدبية، ولذلك سنختصر الكلام عليه هنا، فنذكر له مثالًا في القرآن، ومثالًا في الأصول، ومثالًا في الجدل.
فمن أمثلته في القرآن قوله -تعالى-: {أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيرِ شَيءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ (٣٥)} [الطور: ٣٥].
وقد قدمنا أن التقسيم في هذه الآية عقلي، وإنما كانت الأقسام ثلاثة لأنهما تقسيمان عقليان قطعيان، لأنا نقول: إما أن يكونوا خُلقوا بلا خالق أصلًا، أو خلقهم خالق، وهذا تقسيم عقلي قطعي؛ لحصره في الشيء ونقيضه، ثم نقسم القسم الثاني الذي هو قولنا: أو خلقهم خالق، فنقول: لا يخلو ذلك الخالق من أن يكون أنفسَهم أو ليس بأنفسهم، وهذا أيضًا تقسيم عقلي قطعي؛ لحصره في الشيء ونقيضه،