للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بقوله:

إن عُلّلَ الحكمُ بعلةٍ غَلبْ ... وجودُها اكْتفي بذا عن الطلب

لها بكل صورة إلخ.

وعلى هذا فالمانع من القدح بهذا النوع من الكسر إناطة الحكم بمظنة الحكمة لا بنفس الحكمة؛ وذلك لأن نفس الحكمة ربما لا يمكن انضباطها في بعض الأحوال.

كما لو عُلّق حكم قصر الصلاة وجوازُ الإفطار في رمضانَ مثلًا بحصول المشقة، فإن هذه الحكمةَ لا تنضبط؛ لاختلافها باختلاف الأشخاص والأحوال والأزمنة، فأنيط الحكم بسفر أربعة بُرُدٍ (١) مثلًا؛ لأنه مظنة المشقة، ومن هنا لم يُنظر إلَّا للمظنة، وأُلغي نفس الحكمة عند من يقول بذلك، فأجاز الفطر والقصر لمن سافر أربعة بُرُدٍ وإن لم تلحقه مشقة؛ لأن سفرها مظنة المشقة، وهو حاصل، فاكتُفيَ بمظنة الحكمة عن نفس الحكمة.

واعلم أن هذه المسائلَ التي ذكرنا أنَّها مفرعةٌ على هذه المسألة مختلفٌ فيها بين أهل العلم، فمن أثبت الحكم مع تخلف الحكمة فهو إما قائل بأن ذلك الكسر غير قادح، أو أنَّه قادح مُنع من اعتباره إناطة الحكم بالمظنة.

ومن نفى فيها الحكم لتخلف حكمته فهو قائل بأن الكسر المذكور


(١) جمع بريد، والبريد يساوي اثني عشر ميلًا.