الأمر الوارد بعد النهي فإنا قلنا: إنه يقتضي الإباحة، وقلنا ذلك لوجود الفرق بينهما من وجوه:
الوجه الأول: أن دلالة النهي على التحريم أقوى من دلالة
الأمر على الوجوب؛ لعموم قوله - صلى الله عليه وسلم -: " ما اجتمع الحلال والحرام إلا غلب الحرام الحلال ".
الوجه الثاني: أن الأصل في الأشياء العدم، فالقول بأن النهي بعد الأمر يقتضي التحريم فيه عمل بالأصل.
الوجه الثالث: أن الشارع قد اعتنى بدرء المفاسد أشد من عنايته بجلب المنافع والمصالح، فالقول بأن النهي بعد الأمر للتحريم فيه عمل بهذا الأصل.
وبناء على ذلك: فإن السيد لو قال لعبده: " كُلْ من هذا الطعام " ثم قال له: " لا تأكل منه " فإن أكل من ذلك الطعام فإنه يستحق العقوبة بلا قرينة.
* * *
المسألة السادسة:
النهي يقتضي الانتهاء عن المنهي عنه على الفور ويقتضي التكرار؛ لأن النهي يقتضي عدم الإتيان بالفعل، وعدم الإتيان بالفعل لا يتحقق إلا بترك الفعل في جميع أفراده في كل الأزمنة، وبذلك يكون ترك الفعل مستغرقاً جميع الأزمنة، ومن جملتها الزمن الذي يلي النهي مباشرة، فيكون النهى مفيداً للتكرار كما هو مفيد للفور.