قوم عندهم كلب، فقيل له: إنك تدخل على بني فلان وعندهم هرَّة، فقال - صلى الله عليه وسلم -: " إنها ليست بنجس إنها من الطوافين عليكم والطوافات ". فهنا قد قالوا ما قالوا ظناً منهم أن الكلب والهرة في الحكم سواء، فبين لهم - صلى الله عليه وسلم - أن الحكم مختلف؛ حيث إن الهرة طاهرة، وعلة طهارتها: كثرة تطوفها وصعوبة التحرز منها، ولو لم يكن لذكر تطوافها عقيب الحكم أثر في الطهارة لما كان لذكره فائدة.
النوع الثامن: أن يُفرق الشارع بين أمرين في الحكم بأن يذكر صفة ما تشعر بأنها هي علة التفرقة في الحكم ما دام أنه قد خصَّها بالذكر دون غيرها، فلو لم تكن علة لكان ذلك على خلاف ما أشعر به اللفظ كقوله تعالي:(لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ)، فقد فرق بينهما في أن تعقيد الأيمان هي المؤثرة في المؤاخذه.
النوع التاسع: أن يأتي أمر الشارع أو نهيه في شيء ما، ثم يذكر في أثناء هذا الأمر أو هذا النهي شيئاً أخر لو لم يُقدر كونه علة لذلك الحكم المطلوب لم يكن له تعلق بالكلام، لا بأوله ولا بآخره مما قد يُعتبر خبطاً واضطراباً في الكلام يتنزه عنه الشارع.
مثاله: قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ) فإن يُفهم من ذلك: أن علة النهي عن البيع هي: كونه مانعا من السعي إلى الجمعة؛ لأننا لا يمكن أن نقدر النهي عن البيع مطلقاً حيث يقع التناقض