واتفق يوم تاريخه بلوغ نائب جدة أنّ عربًا وصلوا من الحجاز ومعهم أغنام كثيرة وضعوها بأرض عرفة فأرسل إليهم عبيده وقواسة له، فتوجهوا لهم إليها فما وجدوا إلا أهل البلد ونهبوا غنمهم ودخلوا بها إلى مكة. فتوجّه أهلها من العرب إلى الحاكم القائد مبارك بن بدر وعرّفوه محالّهم فتوجّه إلى الأمير وقال له: هؤلاء عرب مكة الجالبين لِلَبنِها وهم لا يبيعون غنمهم ويتولّد من فقد ذلك ضرر كبير، فرد الأغنام للحاكم وقال له الكالي أبو الفضل بن أبي علي الوزير: ترى الآن أنا أحصل لك غنمًا، فحصل له نحو ثلاثمائة رأس غنم في هذه الجمعة. والله أعلم بحقيقة ذلك.
وفي عشاء ليلة الأحد ثالث عشر الشهر على رؤية أهل مكة والظاهر أنها ليلة رابع عشر على القاعدة. خسف القمر خسوفًا كاملًا لم ير مثله من زمان طويل فوجلتْ القلوب عند رؤيته ودمعتْ العيون عند مشاهدته، وصلّى له بالمسجد الحرام جماعة أمّهم الخطيب الأصيل شرف الدين يحيى ابن الخطيب فخر الدين أبي بكر النويري صلاة طويلة أخْفَى قراءته فيها، وبعد الفراغ خطب له خطبة حسنة شكرها السامعون لها، فالله تعالى يختم بخير، ويدفع عنا كل شرّ وضيْر.
وفي ليلة تاريخه بعد انجلاء القمر وصلت قافلة من المدينة فيها الشيخ العارف بالله قدوة الشاهدين، وعمدة المسلكين، الغوث الفرد الجامع، ولي الله تعالى جمال الدين محمد ابن الشيخ المسند المعمّر نور الدين علي بن عبد الرحمن بن أحمد بن صالح بن يوسف بن عراق الموسوي الدمشقي ثم الصالحي الشافعي (١)، متع الله بحياته وأدام النفع بعلومه وبركاته، وصحبْتُه ولده الشيخ القدوة المقرئ المسلك مربي المريدين، وأوحد الصوفية
(١) الشيخ محمد بن عراق أحد رجال الإصلاح الاجتماعي بمكة وهو من أشهر القائمين بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. انظر مصادر ترجمته في كتابنا: التاريخ والمؤرخون بمكة المكرمة ص ١٨٣ - ١٨٤.