للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فحلف أنه صائم، وعادته يصوم الإثنين والخميس، فصار أصحابه يتحدثون بذلك ويظهرونه لكل قاطن وسالك.

وفي ظهر يوم الجمعة عاشر الشهر ركب الشريف أبو نمي من المسجد الحرام وتوجّه إلى جهة الحجاز لمحاربته عرب بني لام الذين غزاهم في العام الماضي، فإنه بلغه أنهم قربوا من جهة الحجاز ويقال برُكْبه (١) وأمر عسكره بلحاقه، فالله تعالى ينصره عليهم ويُظفره بهم.

وفي صبح يوم الإثنين ثالث عشر الشهر اتفقت فيه قضية شنيعة وثلمة في الإسلام وهي أن شخصا يقال له زين العابدين الخانكي ادعى على ابن طليقته قاضي الحنفية بمكة المعزول وجيه الدين عبد الرحمن بن أبي الغيث بن زبرق الشيباني بمبلغ مائتين وثلاثين دينارا بمسطور كُتب عليه في القاهرة يقال إنه اختلس مرسومه لولاية القضاء من الروم فصالحه على إعطائه له بهذا المبلغ والخصم يُنْكر ذلك ويدعي أنه دفع له المبلغ المذكور دينا وتغلب على إعطائه، فادعى عليه عند قاضي المالكية تاج الدين عبد الوهاب ابن قاضي القضاة النجمي محمد بن يعقوب وطلبه للتوجّه إليه، وكان بزيادة دار الندوة من المسجد الحرام، فأغلظ له في الكلام، وأكثر عليه الملام، فضربه القاضي عبد الرحمن بمداسه فشلش (٢) عليه خصمه وجرّه من ثيابه وتوجّه إلى بيت القاضي المالكي التاجي بن يعقوب وكان عنده جماعة من الأروام وأهل البلد، فقام له المالكي وأكرمه وخاطبه باللطف في المقال، فصار الحنفي يغلظ للمالكي في القول وادعى خصامه في المال فغضب لنفسه وحمي له الجماعة الذين في مجلسه ففهم الحنفي منهم البطش به فبدأ برمي عمامة المالكي من على رأسه فضربه حينئذ المالكي


(١) ركبة: مكان شمال شرقي الطائف يبعد عنها ٣٥ كلم في طريق حاج العراق. انظر تعليق د / الباز في الهامش ٦ صفحة ٢٥٩ من الجزء الرابع من إتحاف الورى للنجم ابن فهد، وذكرها البلادي في معجم معالم الحجاز مرات كثيرة، انظر فهارسه.
(٢) كذا بالأصل "شلش" ولعله لفظ عامي.