للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وعمل له صاحب مكة سماطًا لائقًا به ومدّ بحضرته، ولم يخرج من منزله يوم تاريخه إلّا في الليل وطاف وسعى راكبًا ومعه إمام المالكية الجمالي محمد ابن قاضي المالكية الزيني عبد الحق النويري العقيلي. وكان لاقاه من جدة ومعه محضر بالوصية عليه من الشيخ الصوفي علي الكيزواني الحلبي وغيره من الأروام فأقبل عليه وأحسن إليه بما اختلفت القالات فيه من الأكابر وغيرهم (١). والله أعلم بحقيقته، وهو مستحق له لأصله وفضله وكونه بقية بيت كبير.

ونادى الباشا في البلد بالأمان والاطمئنان ومن له شكوى يتوجّه إلى منزله، وكان نداء المشاعلي بذلك وسط المسجد الحرام وحول المطاف على رؤوس الأنام.

ثم إن في ظهر يوم الجمعة حادي عشريْ الشهر جلس بعد صلاتها في مقام الحنفية في المسجد الحرام تجاه بيت الله وميزاب سُحُب الإنعام على كرسي من حديد وجلس تحته ابن صاحب مكة السيد أحمد الحسني وقاضي البلد الرومي الأفندي مصلح الدين والقضاة المفصولون (٢) الشافعي البرهاني بن ظهيرة والمالكي التاجي بن يعقوب. وأمر بالنداء في الطواف وأروقة المسجد بأن من له شكوى فليحضر ديوان الباشا. فأنكر الأخيار ذلك بقلوبهم ولم يمكنهم الظهور به. فلا حول ولا قوة إلا بالله. وهذا من ضعف الدين كما ورد عن سيد المرسلين بقوله: ﴿من رأى منكرًا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه وإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان﴾ (٣). وحصل (٤) بذلك انتهاك حرمة المسجد الحرام بالنداء للمظالم والجلوس على كرسي للحكم والترفع على قضاة الشرع وكل عالم. ولم ينتج من مجلسه إلّا التعاظم.

ثم قام وتوجّه إلى منزله وصار يبرز لصلاة العصر والمغرب والعشاء والصبح في


(١) بالأصل: وغيره.
(٢) بالأصل: المفصولين.
(٣) الترمذي: السنن، الحديث رقم ٢١٧٢.
(٤) بالأصل: وحصلت.