ومع ذلك تجرأ جرأة بعد عوده من الحج جرأة كبيرة بالتفويض لقاضي مكة الرومي مصلح الدين لعوده إلى الحكم بها بعد عزله من الأبواب الخنكارية. ويقال إنه خدمَهُ بمال وأراد الإقامة بمكة فأشار عليه صهره قاضي العسكر الرميلي - كان - محيي الدين جلبي الشهير بابن الغباري بصرفه إلى الروم يكون نوابه بمكة، لأنّ مذهب الحنفية لا يعزل النواب بعزل مسْتنيبيهم إلّا إذا نص السلطان على ذلك أو القاضي المتولي عوض المعزول، وهو قد مات قبل وصول الخبر إليه.
وكتب الباشا مراسيمًا لنوابه الثلاثة الذين كانوا في ولايته وهم: علاء الدين علي بن سليمان الرومي الحنفي وقاضي المالكية الشرفي أبو القاسم الأنصاري وقاضي الحنابلة النجمي محمد بن بركات الزين، وعمل لهم شافعيًا - وكان الحكم على مذهبه سنتين بطالًا - وهو القاضي الرئيس شرف الدين يحيى ابن القاضي عز الدين الفائز بن ظهيرة القرشي المخزومي. وسُرّ أهل البلد بولايته لكونه من بيست القضاء بمكة، ولعله بإشارة من صاحب السنجق السيد أبي نمي.
واختلفت الأقوال في صحة هذه الولايات للنواب من الباشا، هل الخنكار فوّض إليه عموم الولاية والعزل في جميع مملكته أو خاص بالعسكر الذين صحبته وجهة الهند؟
فسألتُ مولانا قاضي العسكر محيي الدين بن الغباري (١) عن تحقيق ذلك فقال: لم يفوّض له الخنكار إلا جهة البحر والعسكر، لكن طمعه في جمع الفلوس أوجب فعل ذلك. فالله يلطف بالمسلمين ويهدينا وإياهم لأحسن المسالك.
ولما نزل الباشا من منى نصب خيامه عند درب المعلاة في محل أمير الحاج المصري قرب البرَك وهو نصب خيامه فوقه قريب الأبطح والحاج الشامي فوقه بالأبطح.
(١) ورد الاسم بالأصل: العبري، والإصلاح مما سبق من هذا النص.