واستمر الباشا والحاج المصري بمكة إلى يوم الثلاثاء سابع عشر الشهر حتى كمل للحاج المصري عشرون يومًا. فرحل الباشا في ظهر تاريخه إلى الوادي ثم تبعه أمير الحاج المصري في ليلة الأربعاء ثاني تاريخه، وأقام الأمير بمكة حتى صلّى العصر بها فوادعه والباشا صاحبها السيد أبو نمي الحسني وولده السيد أحمد خارج البلد. وخف الحاج بها مع غلو الأقوات فيها، فالله تعالى يرخيها. وأقام أمير الحاج الشامي بمكة في محل الباشا عند درب المعلاة مدة عشرة أيام بعد المصري فكانت إقامته أزيد منه الجمعة نحو سبعة وعشرين يومًا، وكان يقيم أمير الشامي في النهار بمدرسة الأشرف قايتباي ويبيت في مخيمه.
واتفق لأمير الشامي في صبح يوم الثلاثاء رابع عشريْ الشهر واقعة شنيعة مع صاحب مكة السيد أبي نمي الحسني وهي أنّ أمير الشامي مسك القائد هلمان بن محمد بن علي بن نصر الذي كان والده وجدّه قُصّاد صاحب مكة للديار المصرية يسبب أنه وجد في شعب النور بالمعلاة وفي يده شمعتان لَقَطهما من الأرض، وادعى بعض الأروام عليه أنه سرقهما مع حوائج لهم من الليل. وذهب به إلى أمير الشامي فتهدده بحضرة قاضي حجّهم فقال لهم: لا تحملون هَمّ حوائجكم، وهي في دركي ودرك أستاذي ويحضر إليكم، فقالوا له: اعترفتَ بها. فأمر أمير الحاج بوضع الزنجير في رقبته، فبلغ ذلك الوالي النوري علي الشهير بجنيدب فواجه أمير الشامي، وقال له: هذا من كبار صاحب السنجق، فتهدّده وضربه.
فخرج من عنده وتوجّه إلى سيده السيد أبي نمي وأخبره بخبره. فأرسل لأمير الشامي القاضي تاج الدين بن يعقوب المالكي فاجتمع به في المدرسة القايتبائية فأغلظ له في القول وتهدده بقتل الممسوك عنده، فلم يمكنه جوابه فقام من عنده وتوجّه إلى مرسله السيد أبي نمي فسمع عسكره ذلك فاجتمعوا عند بابه