للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فلما وصلوا إلى البويب اجتمعوا بالسلطان هناك، وساروا قدّامه حتى وصل إلى الوطاق الذى (١) بالمطرية، وكان له هناك موكب حافل، وكان دخوله فى ثانى عشر المحرم قبل دخول الحاج بثمانية أيام؛ فلما نزل بقبّة الأمير يشبك مدّ له الأتابكى أزبك هناك مدّة حافلة جدا، وبات السلطان هناك، وحضر إلى عنده قضاة القضاة ومشايخ العلم وهنّوه بقدومه.

فلما كان يوم الاثنين رابع عشره أوكب السلطان من هناك، وحمل الأتابكى أزبك على رأسه القبة والطير، وركب قدّامه الأمراء والعسكر وهم بالشاش والقماش، وسارت القضاة الأربعة قدّامه، فدخل من باب النصر، وشقّ من القاهرة وقد زيّنت له زينة حافلة، واستمرّ فى هذا الموكب الحافل، وطلّب طلبا حافلا، ولعبوا قدّامه بالغواشى الذهب، ومشت بين يديه الجنايب وهى بالأرقاب الزركش، ولاقاه الأوزان والشعراء والشبابة السلطانية وابن رحاب المغنى، وجماعة الجاوشية، واصطفّت له جوق المغانى من النساء على الدكاكين، وفرشت تحت حافر فرسه الشقق الحرير من التبانة إلى القلعة.

فلما طلع فرشت له خوند عدّة شقق من باب القلعة إلى الحوش، ونثرت على رأسه خفائف الذهب والفضة، وتوشّحت الخدّام بالبنود الحرير الأصفر، وتخلّقت بالزعفران فى شاشاتها، فلما دخل السلطان إلى الحوش مدّ له هناك الأمير يشبك الدوادار مدّة حافلة، أعظم من مدّة الأتابكى أزبك التى مدّها بالقبة؛ ثم إن السلطان أخلع على من كان معه من أرباب الوظائف، ونزلوا إلى بيوتهم، وانفضّ ذلك الموكب؛ وعدّت هذه الحجة للسلطان من النوادر الغريبة، ودخل عليه جملة تقادم من مال وتحف ما يعدل مائتى ألف دينار، من أمير مكة وقضاتها ومن أعيان التجار الذين (٢) بها، وكذلك من أمير المدينة الشريفة وقضاتها، ومن أمير الينبع، وغير ذلك، انتهى؛ وقد نظم الشعراء فى هذه الواقعة عدّة قصائد، فمن جملة ذلك قول الشهاب المنصورى:


(١) الذى: التى.
(٢) الذين: الذى.