للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والقاضى الذى كان معه، وكانا بالبرج الذى بالقلعة من أيام حسن الطويل، وقد تقدّم سبب ذلك.

وفيه تقلّق جمجمة بن عثمان من إقامته بمصر، وطلب التوجّه إلى بلاده ليحارب أخيه، فجمع السلطان الأمراء واستشارهم فى ذلك، ثم أحضر جمجمة وتكلم مع الأمراء بكلام كثير، فأغلظ عليه الأتابكى أزبك فى القول، وهو لا ينتهى عن السفر إلى بلاده، فطال الكلام بينه وبين الأمراء فى ذلك، ثم انفض المجلس وقد أذن له السلطان بالسفر إلى بلاده على كره منه؛ وكان ذاك عين الخطأ، وجرى بسبب ذلك أمور يطول شرحها، وسنذكر ذلك فى مواضعه.

وفى صفر أخلع السلطان على شخص من الأراذل، كان أصله من العوام، يقال له محمد بن العظمة، وكان صنعته فرّا (١)، ثم سعى له عند السلطان وسائط السوء بأن يقرّره فى نظر الأوقاف، فأخلع عليه بذلك، فلما استقر فى هذه الوظيفة خصل على الناس منه غاية الضرر الشامل، فالتزم للسلطان بمال يورده فى كل شهر له صورة، فصار يرسل خلف أعيان الناس من رجال ونساء، ويرسّم عليهم بسبب الأوقاف، ويحاسبهم على الماضى والمستقبل، ويأخذ منهم جملة مال، وصار بابه أنحس من باب الوالى، والتفّ عليه جماعة من المناحيس، وصاروا يفرّعوا له الأذى تفريعا، وكان هذا فى صحيفة الأشرف قايتباى، الذى قرّب مثل هذا وسلّطه على الناس، فكان كما قيل:

لبابك بوّاب عن الخير مانع … أضاف لقبح الوجه سوء خطابه

فساويت فيه من غدا يمنع القرى … ومن يربط الكلب العقور ببابه

فكان يرد هذه الأموال للسلطان، لا يدرى هى من حلال أو حرام، كما يقال:

قيل للصبّ خمر فيه حرام … فتمنّى حرامه وحلاله

وفيه توفى جانى بك كوهية الإسماعيلى المؤيدى، الذى كان أحد مقدّمين (٢) الألوف بمصر، ونفى ثم عاد إلى مصر، واستمرّ بطالا حتى مات، وكان لا بأس به. -


(١) فرا: كذا فى الأصل، ولعله: فرّان.
(٢) مقدمين: كذا فى الأصل.