للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يجاب: بأنه وإن كانت العقوبة من باب الزواجر فلا دليل يمنع أن تكون الزواجر جابرة لما لحق المعتدى عليه من الضرر، بل الأولى في العقوبة أن تجمع بين الزجر والجبر لما أمكن جبره، وإن كان موردها بيت المال فإنه لا يوجد دليل يمنع القاضي من دفع هذا المال إلى الشخص المتضرر معنويًا، إن رأى أن هذا هو الأصلح.

الدليل الثالث: أنه جاء عن أبي يوسف في الشجة إذا عادت فالتحمت ولم يبق لها أثر بأن "عليه أرش الألم، وهو حكومة عدل" (١). وجاء عن محمد بن الحسن (٢) في الجراحات التي تندمل دون أن يبقى لها أثر بأنه: "يجب فيها حكومة بقدر ما لحق المجروح من الألم" (٣)، فأبو يوسف، ومحمد بن الحسن قررا التعويض المالي مقابل الألم، والألم ضرر أدبي، وعليه فيقاس على الألم غيره من الأضرار الأدبية المحضة، فيجوز التعويض المالي عن الضرر الأدبي (٤).

نوقش: بأن قول أبي يوسف، ومحمد بن الحسن، لا يصلح دليلاً على مشروعة التعويض عن الضرر الأدبي بالمال؛ لأنه ليس حجة في نفسه، ولأنه اجتهاد مقابل بمثله، وأقوالهم هنا ليس في الضرر الأدبي المحض، بل هو ضرر نتج عنه ضرر مادي، فيسوغ التعويض عنه باعتباره يؤدي إلى خسارة مالية؛ لأنه


(١) العناية، للبابرتي ١٠/ ٢٩٦، تبيين الحقائق، للزيلعي ٦/ ١٣٨
(٢) هو محمد بن الحسن بن فرقد الشيباني، إمام من أئمة الحنفية، ولد سنة ١٣٢ هـ، تفقه على أبي حنيفة، ثم على أبي يوسف، وهو الذي نشر فقه أبي حنيفه، له مصنفات كثيرة، منها: المبسوط، والجامع الكبير، والجامع الصغير وغيرها، توفي سنة ١٨٩ هـ. انظر: سير أعلام النبلاء، للذهبي ٩/ ١٣٤، الجواهر المضية، للقرشي ٣/ ١٢٢، شذرات الذهب، للعكري ١/ ٣٢١
(٣) المبسوط، للسرخسي ٢٦/ ٨١
(٤) انظر: نظرية الضمان، لوهبة الزحيلي ص ٢٥.

<<  <   >  >>