عنها، ويسبّون الله سباً ما سبّه إياه أحد من البشر. واتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله، واتخذوا المسيحَ ابن مريم رباً، وما أمروا إلا ليعبدوا إلهاً واحداً لا إله إلا هو سبحانه عما يشركون، واتخذوا الملائكة والنبيين أرباباً، وصوروا تماثيل المخلوقات، واتخذوهم شفعاء يشفعون لهم عند الله؛ كما فعل عباد الأوثان، كما قال الله تعالى: ﴿وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ﴾ [يونس: ١٨].
واليهود تزعم أن الله يمتنع منه أن ينسخ ما شرعه، كما يمتنع ما لا يدخل في القدرة، أو ينافي العلم والحكمة. والنصارى يجوزون لأكابرهم أن ينسخوا شرع الله الذي بعث به رسله، فيحللوا ما حرم، كما حلّلوا الخنزير، وغيره من الخبائث، بل لم يحرموا شيئاً، ويحرمون ما حلّل، كما في رهبانيتهم التي ابتدعوها وحرموا فيها من الطيبات ما أحله الله، ويسقطون ما أوجب؛ كما أسقطوا الختان وغيره، وأسقطوا أنواع الطهارة من الغسل، وإزالة النجاسة، وغير ذلك، ويوجبون ما أسقط؛ كما أوجبوا من القوانين ما لم يوجبه الله وأنبياؤه. والمسلمون وصفوا الرب بما يستحقه من صفات الكمال، ونزهوه عن النقص، وأن يكون له مثل، فوصفوه بما وصف به نفسه، وبما وصفته به رسله، من غير تحريف، ولا تعطيل، ومن غير تكييف، ولا تمثيل، مع علمهم أنه ليس كمثله شيء، لا في ذاته، ولا في صفاته، ولا في أفعاله، وقالوا: ﴿أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ﴾ [الأعراف: ٥٤] فكما لا يخلق غيره؛ لا يأمر غيره، بل الدين كله له، هو المعبود المطاع الذي لا يستحق العبادة إلا هو، ولا طاعة لأحد إلا طاعته، وهو ينسخ ما ينسخه من شرعه، وليس لغيره أن ينسخ شرعه.