وقوله:«أنا وأبي واحد» إنما يريد به أن قبولكم لأمري هو قبولكم لأمر الله، كما يقول رسول الرجل:«أنا ومن أرسلني واحد». ويقول الوكيل:«أنا ومن وكلني واحد»؛ لأنه يقوم فيما يؤديه مقامه، ويؤدي عنه ما أرسله به، ويتكلم بحجته، ويطالب له بحقوقه.
وكذلك قول المسيح:«أنا قبل الدنيا» متأول؛ لأنه من ولد إبراهيم، ولا يجوز أن يكون قبل إبراهيم! وهذا سليمان بن داود يقول في حكمته:«أنا قبل الدنيا، وكنت مع الله حيث بدأ الأرض». فما الفرق بينهما؟ وقد قال داود أيضاً في الزبور:«ذكرتك يا رب من البدء، وهديت بكل أعمالك». فإن تأولتم تأولنا، وإن تعلقتم بظاهر الخبر في المسيح؛ تعلقنا بظاهر الخبر في سليمان وداود، وإلا فما الفرق؟ ومعناه أنه أخبر عن نفسه بأن إلهنا معنا، يعني: أن الله معه، ومع شعبه معيناً وناصرًا.
فإن قلتم: إن الخشبة التي صلب عليها المسيح على زعمكم ألصقت بميت فعاش؛ فإن هذا دليل على أنه إله؛ قلنا لكم: فما الفرق بينكم وبين من قال: «إن اليسع إله» واحتج في ذلك بأن کتاب «سفر الملوك» يخبر بأن رجلاً مات، فحمله أهله إلى المقبرة، فلما كانوا بين القبور رأوا عدواً لهم يريد أنفسهم، فطرحوا الميت عن رقابهم، وبادروا إلى المدينة، وكان الموضع الذي ألقوا عليه الميت قبر اليسع، فلما أصاب ذلك الميت تراب قبر اليسع عاش، وأقبل يمشي إلى المدينة. فإن زعمتم أن المسيح إله؛ لأن الخشبة التي ذكروا أنه صلب عليها ألصقت بميت فعاش؛ فاليسع إله؛ لأن تراب قبره لصق بميت فعاش.
وقد قال السيد المسيح في الإنجيل لتلاميذه لما سألوه عن الساعة والقيامة:«إن ذلك اليوم، وتلك الساعة لا يعرفه أحد، ولا الملائكة الذين في السماء، ولا الابن أيضاً، ولكن الأب وحده يعرفه». فهذا إقرار منه بأنه