للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يداخله شك كبير في إثبات صحة نسبته لصاحبه كما لا ننكره على إطلاقه أيضا؛ لأن إرسال الرسل في سائر الأمم أمر مقرر شرعا عند أصحاب الرسالات، ومن الجائز أن يكون زرادشت واحدا من هؤلاء الرسل.

إن الدعوة الإلهية تتضمن بشكل رئيسي الدعوة إلى الله الواحد الأحد المتصف بكل كمال يليق به الخالق لكل شيء، وتتضمن القيام بعبادات ونسك لهذا الإله، كما تشتمل على الأخلاق الفاضلة والتعريف باليوم الآخر بما فيه من حساب. إن أي دعوة تتضمن هذا هي دعوة رسول مرسل، فإن كان الرسول قد ذكر في الكتب السماوية نؤمن برسالته ونصدق بدعوته، وإن لم يرد ذكره في الكتب السماوية فإننا نتوقف مكتفين بالتسليم المجمل في قضية الإيمان بالمرسلين، وقد قال تعالى عن أنبيائه ورسله: {مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ} (غافر: ٧٨) فلعل زرادشت هذا ممن لم يقصصه الله عز وجل علينا، وعلى الجملة فإن الأولى هو التوقف في القطع برسالة زرادشت مع الاكتفاء بدراسة تعاليمه، كما وردت عند العلماء والإحاطة بما ذكر في هذا المجال.

كان هذا عن زرادشت واختلاف الناس حوله؛ فماذا عن الزرادشتية؟

نقول: عرف الفارسيون منذ القديم وقبل زرادشت بزمن سحيق الدين، ولكنه كان دينا قائما على تقديس الطبيعة واتخاذ مظاهرها آلهة يعبدونها، وكانت تصوراتهم الدينية لا تزيد عن الأمل في نماء الزرع ووفرة الخير والبركة، وقد ألهوا من بين ما ألهوا التماثيل والأصنام ووظفوا لخدمتهم الرهبان والكهنة، الذين أصبحوا طبقة مميزة عن سائر الإيرانيين جعلتهم يزعمون للناس وساطتهم الحتمية لمن يتقرب للآلهة.

<<  <   >  >>