تلك الدولة التي رأت في انتصارها لهذا الدين، ما يدعم ويثبت كيانها، ولكن هذه العقيدة على الرغم من فوزها بهذا النصير، عاشت بين أيدي المجوسية، وهؤلاء إلى جانب ما نال العقيدة، من تشويه أثناء روايتها الشفوية، أضافوا إليها شروحا أتت بما يعرف بالزندا فاستا، وهذه الشروح تأثرت بوجه من الوجوه بالفكر اليوناني، الذي انتقل إلى فارس بصور مختلفة، منها هجرة بعض الإغريق إلى هذه البلاد، ثم تطورت هذه العقيدة بعد ذلك بتأثير الحكم الإسلامي، الذي بسط سلطانه على إيران منذ القرن السابع الميلادي، ونتج عن ذلك كتب دينية، ذات اتجاه يصور هذا التأثير الإسلامي.
ومهما يكن من أمر فإن العقيدة الزرادشتية، تعيش الآن في الهند بين طائفة تعرف بالبارسيس، والمعروف أن كهنة هذه الطائفة، غير ميالين إلى الاجتهاد في عقيدتهم، الأمر الذي يترتب عليه عاجلا أو آجلا، إلى إجبارهم إلى الأخذ بمعالم الحضارة الحديثة، وتنسيق الأفكار الدينية مع العقل الحديث، أو إلى ترك المثقفين لهذه العقيدة، والانحياز إلى عقيدة أخرى، تتلاءم مع تطورهم العقلي.
ونضيف قائلين: ولذا ففي الزرادشتية المتأخرة الإله الواحد، ليس متفردا في قدرته، وإنما قبالته كمصدر للخير يقف له مناوئا مصدر الشر، وعلى هذه الساحة المستعرة، كان القتال بين هاتين القوتين النور والنار والشر والظلام، وكلاهما مازدا وأهرمان يقف بجنوده المؤلفة من الملائكة أو من الشياطين، وهذا يعد حزب الإله وهذا يعد حزب الشيطان، ومن ثم آلت الزرادشتية إلى الثنائية، أو ما يعرف بالثنوية، حيث إله الخير والشر أو إله النور والظلام، كما حرصت الديانة الزرادشتية.
على أن يوقد في كل هيكل من هياكلها شعلة من النار، وأن تظل هذه الشعلة متوهجة مضيئة، يتعاهدها الموابذة كبار رجال الدين، والهرابذة وهم صغار