موتهم، فمن رجحت عنده أعمال الخير صعد إلى السماء، ومن رجحت عنده أعمال الشر هبط إلى الهاوية، ومن تعادلت عنده الكفتان، ذهب إلى مكان لا عذاب فيه ولا نعيم إلى أن تقوم القيامة، ويتطهر العالم كله بالنار المقدسة، فيرتفعون جميعا إلى حضرة هرمز في نعيم مقيم.
وتوزن الأعمال عند قنطرة تسمى قنطرة شنفاد، تتوافى إليها أرواح الأبرار والأشرار على السواء، بعد خروجها من أجسادها، فيلقاها هناك فشنود ملك العدل ومترا رب النور، وينصبان لها الميزان، ويسألانها عما لديها من الأعذار والشفاعات، ثم يفتحان لها باب النعيم أو باب الجحيم، ونعيم المجوس من جنس الحسنات، التي تجزى بذلك النعيم، لأن المجوس لا يستحبون الزهد في الحياة، ولا يصدفون عن المتاع المباح، فمن عاش في الدنيا عيشة راضية، وكسب رزقه بالعمل الصالح، وأنشأ أبناءه نشأة حسنة، فجزاؤه في النعيم، رغد العيش وجمال السمت وطيب المقام بين الأقرباء والأصفياء، ويسقى من لبن بقرة مقدسة، درها غذاء الخلود، ومن كسب رزقه من السحت والحرام، فجزاؤه في الجحيم، عيشة ضنكا وألما كألم الجوع والعري، والذل والاغتراب عن الأحباب.
وهذه الخلاصة ترسم لنا اتجاه مذهب زرادشت، ولكنها لا ترسم لنا شعب المجوسية، التي يشتبك بها هذا المذهب في مواضع، ويفترق عنها في مواضع أخرى، وقد أجمل الشهرستاني بيان هذه المذاهب في كتابه (الملل والنحل)، فقال في فصل مطول عن المجوس وأصحاب الاثنينية والمانوية وسائر فرقهم المجوسية: "كانت الفرق في زمان إبراهيم الخليل، راجعة إلى صنفين، أحدهما الصابئة والثانية الحنفاء، فالصابئة كانت تقول: إنا نحتاج في معرفة الله تعالى،