ومعرفة طاعته وأوامره وأحكامه إلى متوسط، لكن ذلك المتوسط يجب أن يكون روحانيا لا جسمانيا، وذلك لزكاء الروحانيات وطهارتها وقربها من رب الأرباب، والجسماني بشر مثلنا، يأكل مما نأكل ويشرب مما نشرب، يماثلنا في المادة والصورة، قالوا {وَلَئِنْ أَطَعْتُمْ بَشَرًا مِثْلَكُمْ إِنَّكُمْ إِذًا لَخَاسِرُونَ}(المؤمنون: ٣٤).
والحنفاء كانت تقول: إنا نحتاج في المعرفة والطاعة، إلى متوسط من جنس البشر، تكون درجاته في الطهارة والعصمة والتأييد والحكمة فوق الروحانيات، يماثلنا من حيث البشرية ويمايزنا من حيث الروحانية، فيلتقي الوحي بطرف الروحانية، ويلقى إلى نوع الإنسانية بطرف البشرية، وذلك قوله تعالى:{قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ}(فصلت: ٦)، قال جل ذكره:{قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَرًا رَسُولًا}(الإسراء: ٩٣).
ثم لما لم يتطرق للصابئة، الاقتصار على الروحانيات البحتة، والتقرب إليها بأعيانها والتلقي منها بذواتها، فزعت جماعة إلى هياكلها وهي السيارات السبع وبعض الثوابت، فصابئة الروم مفزعها السيارات، وصابئة الهند مفزعها الثوابت، وربما نزلوا عن الهياكل إلى الأشخاص، التي لا تسمع ولا تبصر ولا تغني عن الإنسان شيئا، والفرقة الأولى هم عبدة الكواكب، والثانية هم عبدة الأصنام، وكان إبراهيم مكلفا بكسر المذهبين على الفرقتين، وتقرير الحنيفية السمحة السهلة.
ثم قال عن الثنوية: إنهم أثبتوا أصلين اثنين مدبرين قديمين، يقتسمان الخير والشر والنفع والضر والصلاح والفساد، ويسمون أحدهما النور والثاني الظلمة، وبالفارسية يزدان أهرمان، ولهم في ذلك تفصيل مذهب، ومسائل المجوس كلها تدور على قاعدتين، أحدهما بيان سبب امتزاج النور بالظلمة، والثانية سبب خلاص النور من الظلمة،