وللعلم بمراتب الأحكام أثره في الحكم على الناس فالمنهيات مراتب، ومرتكب الحرام ليس كمرتكب المكروه لتفاوت مرتبتي هذين الحكمين، والكافر ليس كالعاصي؛ لتفاوت ما بين حكم العمل الذي هو كفر، والعمل الذي هو معصية، فقد دلت النصوص - مثلا - على أن أهل الكبائر لا يخلدون في النار، وأنهم تحت مشيئة الله، إن شاء عفا عنهم وإن شاء عذبهم حتى يمحصون، ومن تلك النصوص قول الله - عز وجل - {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ}[النساء: ٤٨]
قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -: (فجعل ما دون ذلك الشرك معلقا بمشيئته، ولا يجوز أن يحمل هذا على التائب؛ فإن التائب لا فرق في حقه بين الشرك وغيره، كما قال سبحانه:{قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا}[الزمر: ٥٣] فهنا عمم وأطلق؛ لأن المراد به التائب، وهناك خص وعلق)(١) .
وأما الخوارج فقد جهلوا هذا، وأعرضوا عن النصوص المبينة لمراتب الأحكام فكفروا مرتكب الكبيرة، قال الإمام ابن أبي العز الحنفي - رحمه الله -: (إن أهل السنة متفقون كلهم على أن مرتكب الكبيرة لا يكفر كفرا ينقل عن الملة بالكلية، كما قالت الخوارج؛ إذ لو كفر كفرا ينقل عن الملة لكان مرتدا يقتل على كل حال، ولا يقبل عفو ولي القصاص، ولا تجري الحدود في الزنا والسرقة وشرب الخمر، وهذا القول معلوم بطلانه وفساده بالضرورة من دين