للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فالمقتصد قد أخذ بالوسط وعدل عن الطرفين، قال تعالى: {وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا} [الفرقان: ٦٧] وقال تعالى: {وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ} [الإسراء: ٢٩] وقال تعالى: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا} [الأعراف: ٣١] والدين كله بين هذين الطرفين.

بل الإسلام قصد بين الملل.

والسنة قصد بين البدع.

ودين الله بين الغالي فيه والجافي عنه.

وكذلك الاجتهاد هو بذل الجهد في موافقة الأمر، والغلو مجاوزته وتعديه.

وما أمر الله بأمر إلا وللشيطان فيه نزغتان:

فإما إلى غلو ومجاوزة.

وإما إلى تفريط وتقصير.

وهما آفتان لا يخلص منهما في الاعتقاد والقصد والعمل إلا من مشى خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم، وترك أقوال الناس وآراءهم لما جاء به، لا من ترك ما جاء به لأقوالهم وآرائهم.

وهذان المرضان الخطران قد استوليا على أكثر بني آدم، ولهذا حذر السلف منهما أشد التحذير، وخوفوا من بلي بأحدهما بالهلاك.

وقد يجتمعان في الشخص الواحد، كما هو حال أكثر الخلق يكون مقصرا مفرطا في بعض دينه غاليا متجاوزا في بعضه. والمهدي من هداه الله "اهـ (١) .


(١) الروح ص ٣٤٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>