للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والتفريط؛ كل ذلك من الأمور الممكنة التي هي في متناول القدرات الإنسانية، وشاهد الحال أقوى وأبلغ من شاهد المقال.

(٣) أن الطلاب بالنسبة لمعلمهم؛ بل: والمدعوين بالنسبة للداعية، والمرءوسين بالنسبة لرئيسهم، كل أولئك ينظرون إلى معلمهم أو رئيسهم أو الداعية فيهم نظرة دقيقة متفحصة، هي أشبه بالرقابة المجهرية، وهم في ذلك يجعلونه محلا للاتباع والاحتجاج في جليل أمره وحقيره، مما يحتم عليه أن يكون - ولو في الظاهر - قدوة حسنة، ومثالا للكمال والوسطية والاعتدال.

(٤) أن مستويات الفهم للكلام عند الناس متفاوتة، ولكنهم يستوون أمام الرؤية بالعين المجردة، فإيصال المعلومة عن طريق الفعل أبلغ بكثير، وأقوى في التأثير من مجرد القول.

ومما يدل على ذلك ما أورده البخاري في صحيحه باب: الاقتداء بأفعال النبي صلى الله عليه وسلم ثم ساق الحديث: « (اتَّخَذَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَاتَمًا مِنْ ذَهَبٍ، فَاتَّخَذَ النَّاسُ خَوَاتِيمَ مِنْ ذَهَبٍ) ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (إِنِّي اتَّخَذْتُ خَاتَمًا مِنْ ذَهَبٍ) فَنَبَذَهُ وَقَالَ: (إِنِّي لَنْ أَلْبَسْهُ أَبَدًا) ، فَنَبَذَ النَّاسُ خَوَاتِيمَهُمْ» .

قال ابن بطال: (فدل ذلك على أن الفعل أبلغ من القول) (١) .

وتأمل ما حصل في غزوة الحديبية عندما كان النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه محرمين بالعمرة، وردهم المشركون عن البيت، وأمر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه بالتحلل من عمرتهم، وتأخر الصحابة في تنفيذ الأمر رجاء


(١) البخاري مع الفتح (١٣ / ٢٧٤، ٢٧٥) .

<<  <  ج: ص:  >  >>