ولا يقف الأمر عند هذا الحد، بل يبني الإسلام علاقة متوازنة بين المسلمين وغيرهم من حيث الحقوق والواجبات؛ إذ البشرية كلها فريقان {فَمِنْكُمْ كَافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ}[التغابن: ٢] والمؤمنون بعضهم أولياء بعض، غير أن هذه الولاية لا يلزم منها إعطاؤهم حق الظلم لغيرهم والكفار بعضهم أولياء بعض، ولكن الكفار لا يجوز ظلمهم أو سلب حقوقهم، بل لهم حقوق شرعت، وطرائق في معاملتهم سنت، ومظالم لو وقعت تعين رفعها {وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى}[المائدة: ٨] بل نهينا عن الاعتداء مع منع الحقوق {وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَنْ تَعْتَدُوا}[المائدة: ٢]
إن كثيرا من الخطاب الإسلامي الشائع على ألسنة بعض الدعاة والشباب يفقد توازنه مع غير المسلمين، وكأنه يوجب نمطا واحدا من المعاملة والخطاب، وما من شك أنهم أصناف وفئات، وللخطاب مقتضيات ومقامات، وللمتكلم أحوال وصفات، كلها توجب تعدد الخطاب وأن يكون مناسبا. لم يكلف محمد صلى الله عليه وسلم إرغام الناس على الدخول في الإسلام {أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ}[يونس: ٩٩] وفرق بين العرب في جزيرة العرب وغيرهم، فلم يقر المشركين العرب في الجزيرة على شركهم، وإن سوغ أخذ الجزية من عرب أهل الكتاب في غير الجزيرة، وقد نظم الإسلام العلاقة بين المسلمين وأهل الذمة، والمعاهدين والمحاربين من أهل الكتاب وغيرهم تنظيما لا مزيد عليه، غير أنه يحلو لكثير من المشتغلين بالدعوة أن يبرزوا وجها واحدا من هذه المعاملة ويدعوا الباقي، مما يجعل