لكن ليس معنى اليسر والسماحة في الدين ترك العمل والتكاسل عن الطاعات والعبادات، كما ليس معنى التشديد فيه الأخذ بالأكمل فيها، كلا بل المراد الالتزام بالتوسط فيها، بلا إفراط ولا تفريط.
نعم، هذا هو المنهج الوسط، وهو صراط الله المستقيم، فلا ميل إلى جانب الإفراط والتعمق والتشديد على النفس وعلى الآخرين، ولا إلى جانب التيسير الشديد والتساهل الذي يصل إلى حد التحلل والانسلاخ من الأحكام.
وكما نقل الإمام ابن القيم - رحمه الله تعالى - عن بعض السلف:
" إن دين الله بين الغالي فيه والجافي عنه "(١) .
وفي هذا الصدد أيضا كلام جميل للإمام الشاطبي حيث قال - رحمه الله تعالى -: " فإذا نظرت في كلية شرعية فتأملها تجدها حاملة على التوسط، فإن رأيت ميلا إلى جهة طرف من الأطراف، فذلك في مقابلة واقع، أو متوقع في طرف آخر.
فطرف التشديد - وعامة ما يكون في التخويف والترهيب والزجر - يؤتى به في مقابلة من غلب عليه الانحلال في الدين.
وطرف التخفيف - وعامة ما يكون في الترجي والترغيب والترخيص - يؤتى به في مقابلة من غلب عليه الحرج في التشديد، فإذا لم
(١) مدارج السالكين ٢ / ٣٩٢؛ وانظر أيضا مقاصد الشريعة الإسلامية، ص ٢٦٨.