للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

تعلم يقينًا بطلانَهُ, كما جاء في حديث آخر أنه يلقي في خاطر الإنسان: «هذا اللهُ خلق الناسَ فَمَنْ خَلَقَ اللهَ؟ » (١) , فإن الإنسان يخطر له خاطر وهو يعلم موقنًا أنَّ الله تعالى خالق كل شيء، وأنه لم يزل ولا يزال.

ويُحْكَى أنَّ رجلًا جاء إلى بعض العلماء، فقال له: إنَّ الشيطان قد أضرّ بي، يقول لي: قد طَلَّقْتَ زوجتك، قد طَلَّقْتَ زوجتك. فقال له العالم: أَوَ لَمْ تُطَلِّقْهَا وأنا شاهد؟ قال: لا، والله ما طلَّقتُها. فراجَعه في ذلك، فقال: اتَّقِ الله فِيَّ؛ فإنها والله زوجتي، والله ما طلَّقتها قطُّ. فقال له العالم: فإذا جاءك الشيطان فاحلف له كما حَلَفْتَ لي. هذا معنى القصَّة دون لفظها.

والذي عرض لأُبيٍّ شيءٌ أَشَدُّ من هذا إذا حُمل الحديث على ما فهموه. وعندي أنَّ المعنى: فسقط في نفسي شيء من التكذيب ليس كالتكذيب إذ كنت في الجاهلية، أي بل دونه؛ فقد اتَّفق أهل اللغة على أنَّ قولهم في المَثَلِ: ماء ولا كصَدَّاء، معناه: هذا ماء جَيِّد، وليس كماء صَدَّاء في الجودة، بل دونه. وكذا قالوا في المثل الآخر: مَرْعىً ولا كالسَّعْدان (٢). والحكايات التي ذكروها في أصل هذين المثلين صريحة في ذلك، والقواعد تقتضي ذلك.


(١) صحيح مسلمٍ، الموضع السابق، ١/ ٨٣ - ٨٤، ح ١٣٤. [المؤلف]
(٢) صدَّاء: رَكِيَّة لم يكن عندهم ماء أعذب من مائها، وأمَّا السَّعْدان فنبات وعشب تأكله الإبل، ويطيب لبنها عليه، وهو من أفضل مراعيها، فإذا رأوا عَلَفًا دونه قالوا هذه المقالة. يُضرب المثلان للشيء يُفضَّل على أقرانه وأشكاله، وللرجل يُحمد شأنه، ثم يصير إلى آخر أكثر منه وأعلى. انظر المثلين والحكايات في أصلهما في الأمثال لأبي عبيد، ومجمع الأمثال للميداني ٢/ ٢٧٥ - ٢٧٨.