للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وسيأتي ذكر هذه الأحاديث وغيرها، والكلامُ على القَسَم بغير الله تعالى مفصَّلًا إن شاء الله تعالى (١).

فصل

واعلم أنَّ مدار العذر على الجهل مع عدم التقصير في النظر، وإنما الشأن في ضبط التقصير, وهو أمرٌ مشتبهٌ جدًّا؛ فإنه ليس المراد به ألَّا يكون للإنسان استعداد للنظر أصلًا بأن يكون مجنونًا، ولا أن يكون قد صرف عمره كلَّه في البحث والنظر ولم يتشاغل عنه إلَّا بما لا يستطيع تركه كتناول ما يَسُدُّ رَمَقَه من الطعام والشراب، وكقضاء الحاجة ونحو ذلك، بل الأمر أوسع من هذا.

وقد تقدَّم في تفسير قوله تعالى: {رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ} ما يوضِّح هذا (٢)، وأنَّ الأمور الموجبة للعذر من النسيان والخطأ وعدم الطاقة ليست بمنضبطة، ولكن لعلَّك إذا تَدَبَّرْتَ ما تقدَّم تستطيع التقريب.

وهاهنا قاعدة جليلة، وهي: أنَّ مَن رضي بالإسلام دينًا ولو إجمالًا فالأصل فيه أنه معذور في خطئه وغلطه، ومَن لم يرض بالإسلام دينًا فالأصل فيه أنه غير معذور، ولا يخرج أحدُهما عن أصله إلا ببيانٍ واضحٍ. هذا في الحكم الظاهر، فأمَّا عند الله عزَّ وجلَّ فالمدار على الحقيقة؛ ولهذا


(١) انظر ص ٩٨٩.
(٢) انظر ص ٩١٤ - ٩١٥ مُفْتَتَح فصل الأعذار.