للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وفي هذا الأثر ما يخالف ما نُقل أنَّ المشركين كانوا يقولون: أمَّهات الملائكة بنات سَرَوات الجن، وقد فُسِّر به قوله تعالى: {وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَبًا وَلَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنَّةُ إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ} [الصافات: ١٥٨]. وفي صحَّة ذلك نظر، وقد يدفعه قول الله تعالى: {وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ الْجِنَّ وَخَلَقَهُمْ وَخَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَبَنَاتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ سُبْحَانَهُ [٣٠٧] وَتَعَالَى عَمَّا يَصِفُونَ (١٠٠) بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [الأنعام: ١٠٠ - ١٠١]، فقوله سبحانه: {أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ} احتجاجٌ على مَن زعم أنَّ له ولدًا فيُعلم من ذلك أنَّ كونه لا صاحبة له قضيَّة مسلَّمة عند المشركين؛ إذ لو كانوا يزعمون أنَّ له صاحبة لما احتجَّ عليهم بذلك، والله أعلم.

والذي يظهر لي في تفسير قوله تعالى: {وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَبًا} أنَّ ذلك إلزام منه تعالى للمشركين، فإنهم زعموا أنَّ إناثًا غيبيَّاتٍ هنّ بنات الله تعالى، وليس هناك إناث غيبيَّاتٌ قد كانوا سمعوا بوجودهنَّ وصدَّقوا به (١) إلَّا من الجن فلزمهم أنهم جعلوا الجنِّيَّات بناتٍ لله عزَّ وجلَّ، وهذا الإلزام من جنس الإلزام الذي تقدَّم في عبادتهم الإناث من الشياطين، والله أعلم.

ولنشرع الآن في تفسير الآيات.

قال الله عز وجل: {أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى (١٩) وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى (٢٠) أَلَكُمُ الذَّكَرُ [٣٠٨] وَلَهُ الْأُنْثَى (٢١) تِلْكَ إِذًا قِسْمَةٌ ضِيزَى} [النجم: ١٩ - ٢٢].


(١) هذا إخراج للحور العين. انتهى [المؤلف].