والمتأخرون الذين بُعث فيهم نوح عليه السلام لِم كانوا يعظِّمون تلك التماثيل؟ أتعظيمًا لأصحابها أولئك الرجال الصالحين؟ أم عبادة لله عز وجل زاعمين أنه يرضى لهم ذلك وينفعهم به؟
[٣٥٢] الأول هو الظاهر كما مرَّ في أوائل فصل الأصنام من دلالة قوله عز وجل: {وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا} على أنهم كانوا يعظِّمونها ويعظِّمون أصحابها, فراجعه, ولأنه سبيل عبادة الأوثان في كلِّ زمانٍ، وقد مرَّ بيان ذلك وشهادة المحقِّقين به، والله أعلم.
قوم هود وقوم صالح
لم يأت في القرآن ما يدلُّ أنه كانت لهم أصنام، ولكن أهل التواريخ يثبتون ذلك، فإن صح فإنها كانت تماثيل للأشخاص الغيبيِّين التي كانوا يعبدونها, كما سيأتي عند ذكر الأشخاص المتخيَّلة والملائكة إن شاء الله تعالى.
قوم إبراهيم
غالب ما جاء في القرآن في التصريح بعبادة الأصنام هو في قوم إبراهيم, حتى إنه ظهر لي أوَّلًا أنه لم يكن لهم تأويلٌ في عبادتهم أكثر من التقليد لآبائهم، ثم تبيَّن لي خلاف ذلك.
فقد جاء في محاورة إبراهيم لقومه: {قَالَ أَفَرَأَيْتُمْ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ (٧٥) أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ (٧٦) فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ} [الشعراء: ٧٥ - ٧٧]. وقال تعالى: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ (٢٦)