للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

موجَّهة إلى صفة البنتيَّة وقد قام البرهان على عدمها.

الوجه الثاني: أنَّ العمل إنما يُعدُّ تعظيمًا للشخص إذا كان يحبه ويرضاه، وليس عندهم دليل على أنَّ الملائكة يحبون ويرضون أنْ يُعْبَدوا؛ لأنهم لم يأمروا المشركين بعبادتهم، والدليل قائم على أنَّ الملائكة يَكْرَهون أنْ يُعْبَدُوا من دون الله عزَّ وجلَّ، إذ قد قامت الحجَّة أنهم ليسوا إلَّا عبادًا مخلصين، والعبد المخلص لا يحبُّ أنْ يُعَظَّم كما يُعظَّم ربُّه، فإنْ أحبَّ أن يُعظَّم تعظيمًا مَّا فبقَدْرِ ما يأذن به ربُّه.

فإذا كان تعظيمُ المشركين للملائكة يضاهي تعظيمَ الله عزَّ وجلَّ فقد تبيَّن أنَّ الملائكة لا يرضَون ذلك، وإن كان دونه فليس عندهم بيِّنةٌ بأنَّ ذلك القَدْرَ يرضاه الله عزَّ وجلَّ وترضاه [س ١٢٧/ب] الملائكة، فكان العقل يقضي عليهم بأن يقفوا عند الحدِّ الذي تقوم الحجة على أنه مأذون به، ولم يفعلوا ذلك، فما هو الباعث لهم على هذا؟ هو الشيطان، فإذن ليس الباعث لهم على عبادة الملائكة محبَّتَهم إيَّاهم، لأنَّ المحبة شَرْطُها أنْ يقف المُحِبُّ مع رضا المحبوب، وإنما الباعث لهم طاعتهم للشيطان، فروحُ تلك العبادة موجَّه إلى رضا الشيطان.

وقد بيَّن سبحانه وتعالى هذا المعنى بقوله: {إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا إِنَاثًا وَإِنْ يَدْعُونَ إِلَّا شَيْطَانًا مَرِيدًا} [النساء: ١١٧]، ولعلَّ مِنْ ذلك قولَه تعالى: {يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُ وَمَا لَا يَنْفَعُهُ ذَلِكَ هُوَ الضَّلَالُ الْبَعِيدُ (١٢) يَدْعُو لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِنْ نَفْعِهِ لَبِئْسَ الْمَوْلَى وَلَبِئْسَ الْعَشِيرُ} [الحج: ١٢ - ١٣]، وقد تقدَّم في فَصْلَي التأليه والعبادة آيات أُخَر.