للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[٧٣٩] واعتقاد وجوب البرِّ يجعل القَسَم من الضرب الأول، وقد علمت وجه كونه كفرًا وشركًا, وقد جزم الرازيُّ بأنَّ قولهم: بحياتي وحياتك وحياة رأسك شركٌ، وأطلق ذلك، وإنما توقَّف عن الحكم على قائلي ذلك من العامَّة بأنهم مشركون؛ لكونهم لا يعلمون، وهذا حقٌّ كما قدَّمناه في الأعذار. ولكن العامة في هذه الأزمنة قد غلوا في الغلوِّ، فلم يقتصروا على نحو: بحياتي وحياتك وحياة أبيك مما لا يعتقد فيه عدم وجوب البرِّ، بل صاروا يحلفون بمن يعتقدون فيه الصلاح من الأحياء والموتى، ولم يقتصروا على الحلف بهم، بل يعتقدون وجوب البرِّ، ويعلنون بذلك، ولم يقفوا عند هذا، بل يعتقدون أنَّ القَسَم بفلان وفلان مثلُ القَسَم بالله تعالى، بل ولم يقف كثير منهم عند هذا، بل يعتقدون أنَّ القَسَم بفلان وفلان أحقُّ بالبرِّ والوفاء من القَسَم بالله عزَّ وجلَّ. ولم يكتفوا بهذا، بل إذا سئل المتفاقه منهم وعوتب قال: إنَّما نرى القَسَم بالأولياء أوثقَ من القَسَم بالله عزَّ وجلَّ؛ لأن الله تعالى صبور والأولياء لا يصبرون!!

ولا تحسبنَّ هذا أقصى ما عندهم، بل إذا قلت لهذا المتفاقه: غاية ما يمكن من الولي أن يدعو الله تعالى على مَنْ لم يبرَّ بيمينه، فرجع الأمر إلى الله تعالى ــ وهو صبور ــ , فإنَّه يجيبك حينئذٍ بشبهةٍ [٧٤٠] مِن شُبهِ عُبَّاد الملائكة, فأقربهم مَنْ يقول: أنت لا تنكر سؤال الدعاء من الصَّالح الحيِّ, فيقول له أحدنا: ادع الله أن يكفيني شرَّ من ظلمني، ويلزم من ذلك اعتقاد أنَّ الله تعالى يعجِّل عقوبة الظالم إذا دعاه وليٌّ مِن أوليائه تعجيلها، فكذلك ما نحن فيه. وأبعدُ منه مَنْ يقول: إن الله تعالى لا يردُّ دعاء أوليائه. وأَبْعَدُهُم مَنْ يقول لك: إنَّ للأولياء سلطة غيبيَّة يتصرَّفون بها في الكون، فبتلك