للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المخطئ قاصدٌ اتباع كتاب الله وسنة رسوله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم، فهو وإن أخطأ بقوله فقد أصاب بقصده. فأما بعد تبين الخطأ فقد انتفى هذا القصد أيضًا وحَلَّ مكانه قصد آخر إن أصرّ على الخطأ, وذلك هو الهوى واتباع الشيطان والرؤساء، فانقطع ذلك الفرع عن سبيل الله عزَّ وجلَّ ورجع إلى السبل الباطلة كما ترى.

واعلم أن القاضي إذا اجتهد في قضية وتبين له فيها أن الحق كذا لا يخلو أن يكون ذلك الحكم الذي تبين له هو الحق في نفس الأمر بمقتضى الأدلة الشرعية العامة، أو يكون خطأ، وإذا كان خطأ وكان القاضي عادلا بارًّا مخلصًا لله تعالى فقد يقال: إن الله عزَّ وجلَّ إنما رجَّح في نفسه ذلك الحكم لعلمه سبحانه بأنه الذي تقتضيه الحكمة في تلك القضية خاصة.

وبيان ذلك: أن الأحكام العامة إنما يمكن مطابقتها للحكمة بالنسبة إلى الغالب، مثال ذلك: الحكم على الزاني المحصن بالرجم وعلى غيره بالجلد، فقد يمكن في غير الغالب أن يكون محصنٌ أولى بأن يُخَفَّفَ عنه مِنْ بِكْرٍ، كأن يكون الأول شابًّا شديد الشهوة تزوَّج وبات معها ليلة [٦٣٣] وماتت، وهو فقير لا يستطيع أن يتزوَّج غيرها، وقد ابتُلِيَ بعشق امرأة جميلة وهو يتعفَّف عنها ويتجنَّب رؤيتها، فصادف أن هجمت عليه في خلوة فلم يصبر عنها فوقع عليها، ثم لم يلبث أن ندم. ويكون الثاني شيخًا كبيرًا ضعيف الشهوة غنيًّا عنده عدَّة سَرَارِي، ومع ذلك رأى امرأة قبيحة فاحتال عليها إلى أن زنى بها, ولم يندم. فأنت ترى أن الأول أولى بالتخفيف من الثاني، ولكن لما كانت الأحكام الشرعية عامة لم يمكن أن تراعى فيها الجزئيات، وإنما يراعى فيها الغالب فقط. فإذا وقع ذلك الحكم على من لا