للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الملائكة إناثًا بهتان ثالث أي بحيث لو لم يقولوا هم: ولَدُ الله, بل اعترفوا بأنهم من خلقه عزَّ وجلَّ لكان جَعْلُهم إناثًا بهتانًا. والعبادة بهتان، أي بحيث لو قالوا: إنَّ الملائكة مِنْ خلق الله تعالى، ليسوا [س ١٢٥/ب] وَلَدَه، ولم يقولوا: إنهم إناث، ولكنهم أصرُّوا على عبادتهم لكانت عبادتهم بهتانًا، فتأَمَّلْ هذا وتدَبَّرْ آياتِ القرآن تجدْه بغاية الوضوح إن شاء الله تعالى.

والذي يُهِمُّنا هنا إنما هو القسم الرابع فنقول: قد تقدَّم بيان القرآن بغاية الصراحة أنَّ المشركين كانوا يعترفون لله عزَّ وجلَّ بالانفراد بالخلق والرَّزْق وتدبير الأمر والقبض على ملكوت كل شيء وأنه يجير ولا يجار عليه، إذن فماذا أبقوا للملائكة؟ أبقَوا لهم الشفاعة فقط. أخبر الله عزَّ وجلَّ عنهم أنهم يقولون: {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى}، وقالوا: {هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ}.

لعلَّهم كانوا يعتقدون أنَّ شفاعتهم تنفع وإن لم يرض الله عزَّ وجلَّ؟ [س ١٢٦/أ] كلَّا، فإنها حينئذ لا تكون شفاعة بل تكون أمرًا وإلزامًا. وأيضًا فاعترافهم بأنه سبحانه يجير ولا يجار عليه يُبْطِلُ هذا.

فلعلَّهم يقولون: إنَّ البارئ عزَّ وجلَّ لا بدَّ أن يقبل إكرامًا للملائكة، وإن كان هو غيرَ راض؟ كلَّا، فإنهم يعترفون بأنه تعالى بيده ملكوت كلِّ شيء، ومَنْ بيده ملكوتُ كلِّ شيء لا يكون محتاجًا إلى أحد حتى يقبل شفاعته مُكْرَهًا، فإنَّ أهل الدنيا إنما يقبلون الشفاعة مُكْرَهين ممن هم محتاجون إليه، وقد كانوا يقولون في تلبيتهم كما في الصحيح: لبَّيك لا شريك لك إلَّا شريكًا هو لك تملكه وما ملك (١).


(١) أخرجه مسلم في كتاب الحج, باب التلبية وصفتها ووقتها, ٤/ ٨, ح ١١٨٥, من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.